| علي الرز |
المتابعة الدقيقة لردود الفعل الاقليمية والدولية على ما يجري في مصر تجعلنا نقرأ التطورات من زاوية اخرى.
بادئ ذي بدء نتوقف عند الاهتمام التركي والتصريحات المتتالية لرئيس الوزراء رجب طيب اردوغان التي حملت موقفا مباشرا وتوجيهيا لما يجب ان يحصل في مصر. تحدث اردوغان بصفة التوسع التدريجي لبلاده في اتجاه «الزعامة السنية» لا بصفة المبدئية الاخلاقية والسياسية، فنحن لم نسمعه مثلا يتحدث عن ضرورة اتخاذ اقرب الحلفاء العرب اليه اصلاحات فورية وجذرية، ولا نخاله يتخيل يوما ان يسمح هؤلاء الحلفاء لابناء شعبهم بحرية الحركة والتعبير قبل ان نتحدث عن «هذا يكفي... وهذا لا يكفي... وهذا ما يجب ان يحصل» كما جاء في كلامه عن مصر.
ثم نتوقف عند الاهتمام الايراني الذي توجه كلام المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية السيد علي خامنئي بدعوته الى قيام نظام اسلامي في مصر... وهنا لا حاجة الى التعليق.
اما المواقف الدولية فهي ثنائية، واحدة تدعو في العلن الى احترام خيارات الشعب المصري وقيام اصلاحات سياسية واقتصادية تسمح بتداول سلمي للسلطة وتحقيق عدالة اجتماعية، وثانية تعمل في الخفاء جاهدة لمعرفة من سيقود مصر في المرحلة المقبلة وكيف سينعكس ذلك على الاداء الاقليمي بالدرجة الاولى لا الداخلي، خصوصا لجهة الاتفاقات مع اسرائيل والدور الذي ستلعبه مصر في عملية التسوية الفلسطينية- الاسرائيلية وقبلها الفلسطينية الفلسطينية في ضوء انضمام جزء من الفلسطينيين الى المحور السوري الايراني.
عندما يهتم العالم بمصالحه ومصلحة اسرائيل بالدرجة الاولى في مقاربة الداخل المصري فانه عمليا يطلق يد الاقليم غير العربي لمصادرة الدور العربي والاسلامي والدولي لمصر... سياسة توريث اقليمية تقودها الولايات المتحدة ظنا منها ان علاج الداخل يترك لاهله مهما تعاظمت الخلافات بينما المهم عندها ان يحكم من يتعهد باكمال مسيرة الخارج.
لم تتعظ الولايات المتحدة من تجربتها في العراق، حين غيرت نظاما كان يتوق العراقيون الى تغييره بأي شكل من الاشكال لكنها سلمت جزءا كبيرا من مقدرات السلطة فيه الى ايران فيما تركت اجزاء اخرى اسيرة الهواجس التركية. شعارات الحكم والسلطة لجهة الالتزامات الخارجية في العراق كانت اولوية لديها على حالة الفلتان الامني اليومية والغليان الطائفي لكنها اكتشفت متأخرة ماذا عني المسؤولون الايرانيون بكلامهم ان الجمهورية الاسلامية تقود محورا من الصين الى غزة.
ولم يكن ما يحصل ليحصل لو ان مصر في كامل لياقتها. انهكت بحروب. حوصرت باتفاقات. كبلت بموروث اقتصادي مهجن مشوه. سجنت بأنماط سلطة سيحكم التاريخ على نجاعتها او واقعيتها او فشلها. اربكت بخطوات انفتاحية رافقتها اثمان لا بد منها. ضربت ارهابيا وطائفيا... غادرت دورها مع الآخرين وغدر بها الآخرون، وهاهم ورثة «الرجل المريض» يحاولون وراثة عمقها الاسلامي ومصادرة دورها فيما تحاول ولاية الفقيه تصدير تجربتها الاسلامية اليها.
لكنها مصر. كائنا من كان في موقع قيادتها لا بد ان يخضع لشخصيتها. للمكان وعبقريته. للزمان وأثره. للدور ووظيفته. مصر ترث نفسها مهما كانت طبيعة الحكم فيها... طالت محاولات المصادرة والتصدير ام قصرت.
alirooz@hotmail.com