تجاوز الخطوط الحمر ... يُسقط الكويت

تصغير
تكبير
أما وقد انتهى ما انتهى وبدأ ما بدأ، فلا بد من جردة سريعة لحسابات الربح والخسارة إنما بمسطرة مختلفة عن المساطر المعلنة.

يسجل لسمو الرئيس الشيخ ناصر المحمد التزامه بالعبور الى كويت جديدة يقف فيها رئيس وزراء على منصة استجواب رغم قيادته لأكبر خطة تنمية تشهدها الكويت، ويسجل للمستجوبين التزامهم الحديدي القضايا التي يؤمنون بأنها تستحق المساءلة والمتابعة والمحاسبة والرقابة... ولن نزيد ونكرر في هذا الموضوع الذي شكل إضافة للحياة الديموقراطية.

ولكن ما يجب أن نتوقف عنده هو الظواهر التي صاحبت الاستجواب وشكلت، في رأينا، تجاوزا للخطوط الحمر، سينعكس سلبا على مجمل الحياة العامة إن لم يتم تداركه.

في كل استجواب يلعب كل طرف «كروته». المستجوبون يحشدون التأييد النيابي ويستعينون بالقواعد الشعبية ويكثفون الضغط عندما يرون تراجعا حكوميا ويهجمون بكل أسلحتهم السياسية لتطويق «المتعاونين» وإقناع المترددين. ينقلون المجلس إلى الشارع تارة وينقلون الشارع الى المجلس طورا. يتغاضون عن الخلافات في ما بينهم حول قضايا رئيسية ويتفقون على تأجيلها لإعطاء زخم لاستجوابهم. يتحالفون سرا وعلنا مع آخرين تتطابق أجنداتهم مع القضية التي يثيرونها ثم لا يجدون غضاضة في الاختلاف مجددا مع هؤلاء عندما تسير الرياح بما تشتهي او لا تشتهي سفنهم. يصعّدون نبرة الخطاب. يرفعون وتيرة الكلام. يجرّون «الخصم» إلى منطقة لا يريدها أو لا يتقن فن التعامل فيها.

كل ذلك مبرر ومتاح في اللعبة السياسية القائمة ايضا على المصالح وليس فقط على المبادئ بغض النظر عن الآراء المغايرة.

أما الحكومة فتحشد أيضا التأييد النيابي الموالي لها بوسائل كثيرة، حكي عنها ولم يحك، وثبتت صدقيتها أو لم تثبت، منها الإغراءات بالمناصب وغير المناصب، ومنها أوراق «اللامانع» على بياض، ومنها الدعم المطلق في الانتخابات المقبلة، ومنها تسهيل أمور الناخبين في التوظيف والنقل والندب والتعيين والعلاج في الخارج وصولا إلى «الهدايا» الخاصة ربما. ومنذ سنوات قليلة فقط باتت الحكومة تلجأ أيضا إلى الشارع فتقيم المهرجانات في الساحات العامة تماما كما المعارضة من خلال نواب محسوبين عليها، كما انها تمارس التكتيك الإعلامي من خلال وسائل اعلامية محسوبة عليها ايضا، اضافة الى استخدامها أوراق الخلافات داخل معسكر المعارضين والمستجوبين فتسعى الى تفريق ما تجمع وتوعز إلى من يهمه الأمر بإبراز مواقف معينة على حساب أخرى. تتغاضى عن خلافات مع هذا النائب أوذاك إذا كان الموقف يتطلب، فتقرب البعيد وتبعد القريب. تتكرم على من لا يستحق وتحجب عمن يستحق.

وكل ذلك مبرر ومتاح في اللعبة السياسية... حتى لو اختلفنا معه.

إنما لنرصد شكل «الكروت» التي لعبت في الاستجواب الأخير ونحلل انعكاساتها على الحاضر والمستقبل.

على جبهة المستجوبين، تجاوزت المواقف أحيانا الحدود المسموح بها وانحدرت اللغة ببعضهم الى مصاف الشتائم المباشرة والطعن بالقضاء والمؤسسات الأمنية والتجريح بالنظام والعزف على الوتر الطائفي. نقولها ونكررها للمرة المليون، في المعارضة رموز أعقل ألف مرة من بعض من في الحكومة وهؤلاء حفروا تواقيعهم على صفحات مشرقة من تاريخ الكويت، لكن لعبة الشارع تجرف الأخضر واليابس ولن توفر الجميع في السلطة والمعارضة.

ولنكن صريحين أكثر ونقول من موقع المحب والمخلص والمتعاطف. لا يجوز لأحد ان ينصب نفسه حاكما وحكما على آخرين في دولة مؤسسات وقانون. ويعرف الاخوة النواب الافاضل موقفنا من بعض النواب الذين لا يستحقون أن نذكرهم لكننا ضد تسيير التظاهرات الى بيوتهم ودواوينهم والضغط عليهم بقوة القاعدة الشعبية أو القبلية، فهذا أمر دونه مخاطر صدامية وقد يؤدي الى فتن ناهيك عن تعارضه مع القوانين. ان تعرية هؤلاء سياسيا يخدم هدف المستجوبين ولا شك في أن الناخب هو الذي يحاسب في صناديق الاقتراع وليس في الشارع.

ولنكن صريحين أكثر فأكثر، ونقول إن أطرافاً حكومية ارتكبت المحرمات أيضا بلجوئها إلى اللعب بورقتي الدين والنسيج الاجتماعي. تارة عبر وسائل إعلامية معينة أساءت لشريحة كبيرة من المواطنين، وطورا من خلال إبراز العنصر القبلي الداعم، ومرة ثالثة من خلال بيانات «توظيف الفتاوى» على وزن «توظيف الأموال». ومع كل الاحترام والتقدير والمودة لأمراء القبائل إلا أننا نقول للحكومة: «لا أمير إلا صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد» والمعنى ليس في قلب الشاعر هذه المرة إنما في قلب كل كويتي.

زد على ذلك هذا الانكشاف والوضوح في التصارع على السلطة والأجندات الخاصة من قبل ابناء الاسرة بالتزامن مع استجواب ناصر المحمد. لم يشهد تاريخ الاستجوابات في الكويت هذا الوضوح في قلة الوفاء والكلام بلغتين والحديث بلسانين والتعامل بوجهين. المبتدئ في السياسة أدرك أين يقف الشيخ فلان وأين يجتمع الشيخ فلان ومع من وماذا فعل الشيخ فلان؟... فالقضية أكبر من استجواب لسمو الرئيس. إنها قضية إنهاك للهيكل العام للنظام من قبل بعض أبنائه للأسف الشديد ولأسباب خاصة تتعلق بالسلطة، ويتناسى هؤلاء أيضا أن هذه اللعبة ستجرف الاخضر واليابس ولن توفر الجميع وأولهم الطاعنون في الظهر.

ما بين السلطة والنواب استخدمت أوراق حارقة خارقة متفجرة. إساءة الخروج الى الشارع واللعب بالموضوع القبائلي والطائفي ولجوء بعض وسائل الإعلام الموالية للسلطة إلى تكرار الحديث عن مرحلة يناير 2006 وتوظيفها في السجال السياسي الحالي رغم وجوب عصمة هذه الأمور عن التداول. هذه الأوراق إذا تكرر استخدامها فلن تسقط نائبا أو وزيرا أو رئيس حكومة... بل تسقط بلدا.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي