يا سمو الرئيس... حماك الله من «النيران الصديقة»

تصغير
تكبير
بين الآلة الإعلامية السياسية المهددة بالويل والثبور وعظائم الامور، وبين التأييد الاعمى لهذا الطرف أو ذاك. نقول إن الأمور ليست شديدة السواد بل فيها ما فيها من ايجابيات وسلبيات وهذه هي الديموقراطية التي ارتضيناها جميعا... وهذا هو الوقت الملائم لترجمة نظرية: «الديموقراطية تصحح نفسها».

حصل الاستجواب، ويمكننا ككويتيين أن نتباهى فعلا بما حصل. رئيس وزراء يقف على المنصة دفاعا عن وزرائه... نعم دفاعا عن وزرائه، ويقول له أحد المستجوبين النائب صالح الملا: «تقديرنا لشخصك الكريم يا سمو الرئيس ليس محل نقاش أو شك»، فيرد الرئيس بانه لا يسمح بإهانة اي مواطن كويتي وانه حريص على كرامات الكويتيين وانه تألم لمنظر الدكتور عبيد الوسمي. ويتكلم النائبان مسلم البراك وجمعان الحربش بالسياق الحضاري الراقي نفسه وبصوت يخنقه الألم.

نحن إذاً أمام سلطة ومعارضة يجمعهما هم واحد وان كانت المقاربات مختلفة... وهذا أمر لا يحصل كثيرا في دول اخرى بل يحصل عكسه.

ونحن امام معارضة متعددة الاطياف والانتماءات والافكار متوحدة حول قضية واحدة لا علاقة لها بالدين والمذهب والطائفة والقبيلة والمنطقة... وهذا ايضا امر لا يحصل كثيرا في الدول الاخرى بل يحصل عكسه.

ونحن امام مؤسسة تشريعية يعرض تحت قبتها كل فريق ما يريده من آراء وانتقادات انسجاما مع الدستور واستجابة لدعوة صاحب السمو امير البلاد ورئيس كل السلطات بان تكون السجالات السياسية في مجالاتها ومواقعها... وهذا ايضا امر لا يحصل كثيرا في الدول الاخرى بل يحصل عكسه.

ونحن أمام موضوع حيوي ورئيسي يتعلق بهوية الكويت نفسها هو موضوع الحريات العامة والديموقراطية. هذه الحريات التي شكلت نافذة يتنفس منها جميع اهل الكويت ورسخت انتماءهم بالارض والوطن وحصنتهم من الانجرار وراء الاستقطابات والمخططات الخارجية... هي هاجس ناصر المحمد كما هي هاجس المستجوبين ايضا.

أما بالنسبة الى الخائفين من الشارع ومن الغوغاء ومن «الطوابير الخامسة» ومن «التوترات الاهلية» فهم على حق في ذلك خصوصا في ضوء التجارب غير المشجعة التي تدور حولنا. لكن المواطنين يتصرفون حتى الآن بشكل مسؤول كونهم يشعرون فعلا انهم شركاء في الاستقرار والامن اضافة الى ان العقلاء في المعارضة كثر وقادرون على تأكيد الالتزام بالدستور والقوانين لانهم يريدون من مواقعهم إيصال أصواتهم الإصلاحية ولا يريدون الفوضى التي ستخسرهم مواقعهم واصواتهم والشارع ايضا... اضافة الى الضرر الذي سيلحق بالكويت وطنهم ووطن اهلهم وابنائهم واجدادهم.

نعم، هناك من يفقد البوصلة عند وقوفه وراء ميكروفون وامام جماهير فيطلق للسانه العنان من دون ضوابط. وهناك من يحرض ويعبئ لاهداف شخصية تتعلق برغبته في خوض غمار الشأن العام او في لفت الانتباه اليه. وهناك من يقوم بتصرفات لا تليق بالفكر الذي يحمله... لكن هؤلاء قلة يمكن تطويق نتائج سلوكها من قبل السلطة بشكل مختلف كما يمكن للعقلاء من رموز المعارضة تحجيمهم كي لا يصبحوا عبئا عليهم.

وهناك ايضا خوف ممن هم مكلفون رسميا ادارة العلاقة مع الشارع اوقات الازمات ويزيدون العلاقة بين السلطتين اشتعالا بسبب سوء الاداء والادارة. ولنكن صريحين اكثر، فنحن نتحدث هنا عن وزارة الداخلية ووزيرها، لا بالنسبة الى الاحداث الاخيرة فحسب بل منذ سنوات خلت.

كل من تابع سمو الرئيس وهو يقف الموقف الصلب ويتقدم الى المنصة رغم ان الحكومة كانت قادرة على التعامل مع الاستجواب بشكل مختلف.لا يمكنه الا ان يقدر الثقل الذي يحمله ناصر المحمد على اكتافه نيابة عن غيره... هذا اذا أردنا ألا نتحدث عن «النيران الصديقة» من الاقارب والقريبين.

وكل من تابع اداء وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد من الحرب بالطوافات والقنابل على الفرعيات، الى التأبين، مرورا بأزمات رجال الدين والمفكرين الذين يسمح لهم بالدخول الى البلاد ثم يعيدهم من المطار، وانتهاء بما جرى في ديوانية الحربش... لا يمكنه الا ان يستغرب حتى لا نقول اكثر. وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة الإعلام وأداء وزيرها.

ألف تجمع شعبي حصل كان التعاون فيها من أرقى ما يكون بين رجال الامن والمتجمهرين. وعشرات الاخطاء حصلت من ناشطين ومواطنين تم التعامل معهم وفق الأصول القانونية وبشكل افرادي من دون ضجة ولا «طبل وزمر». وخلال الاستجواب الاخير تجمع الناس أمام المجلس هاتفين سائرين، وبعد الاستجواب تجمهروا في ساحة الصفاة وكانت العلاقات على أفضل ما يرام مع القادة الامنيين. لماذا يحصل ما يحصل من قبل وزير الداخلية أو وزير الإعلام أو غيرهما في مفاصل سياسية معينة من مبالغة وتعسف (او تراخ) في تطبيق القانون ليتحمل رئيس الوزراء الذي يقود معركة التنمية وزر ذلك؟

سؤال لا تكفي المساحات هنا لعرض كل تفاصيله كما لا تكفي المساحة مطلقا للكتابة عن أمر آخر يتعلق بضرورة التفات سمو الرئيس الى ثلاثة او اربعة اشخاص حوله ليقول لهم بابتسامته المعهودة: «اذا كان جميع اصدقائي مثلكم فلست بحاجة إلى أعداء».



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي