الحريات الإعلامية والنفق المظلم

تصغير
تكبير
لم يجمع الكويتيون في تاريخهم مثل إجماعهم على فشل وزارة الإعلام، كما لم يجمع الكويتيون في تاريخهم مثل اجماعهم على ان تقاعس الوزارة عينها عن تطبيق القانون بل وتواطئها أحيانا في غض النظر عن التجاوزات كان من أسباب الازمات وشحن النفوس وترك السلبيات تتفاعل.

ورغم هذا الإجماع إلا أن مسؤولي الوزارة نجحوا في تعليق الإخفاق على مشجب قانوني «المطبوعات» و«المرئي والمسموع» وهربوا من مسؤولياتهم منادين بتعديل القانونين، ثم انجز مجلس الوزراء التعديلات ليرسلها الى المجلس تمهيدا لإقرارها... وهنا أيضا تضيف الوزارة نقطة سوداء إلى صفحتها.

سنتحدث مباشرة عن تعديلات القانونين من باب التفكير بصوت عال، نحن والناس، في حجم النفق المظلم الذي ستدخله الحريات العامة.

العقوبات المالية لا نستطيع المجادلة كثيرا في أمرها لاننا طرف من جهة ولأننا نفضلها على العقوبات الأخرى. إنما ما نستطيع المجادلة فيه هو كيف ستتكيف هذه العقوبات (وهي بمئات آلاف الدنانير) مع المواضيع التي يمكن أن تحال بها وسائل الإعلام على المحاكم. ونورد هنا بعض ما ورد في التعديلات على سبيل المثال لا الحصر.

موضوع الوحدة الوطنية موضوع كبير كبر مساحة الكويت نفسها. وحتى الآن لا نعرف توصيفا موحدا لـ «عدم المساس بالوحدة الوطنية». فهناك امور يجمع كثيرون على انها تضرب مباشرة في جدار الوحدة الوطنية لا تفعل وزارة الاعلام حيالها شيئا يذكر وهناك امور علمية بحثية او تحت خانة الآراء الموضوعية لكننا نجد الوزارة تحيلها فورا على القضاء. بمعنى اوضح، هناك من يتحدث عن الانساب والاعراض والقبائل والأسر والمناطق لا تفعل الوزارة اي شيء لردعه بل يقال إنها تساعده في المادة الأرشيفية، وهناك من يتحدث علميا عن نسبة البدو الى الحضر او عن تصنيف القبائل فيجد نفسه فورا تحت رحمة الرقابة والعقوبات.

وما ينطبق على الوحدة الوطنية ينطبق ايضا على المادة التي تحظر اثارة الفتنة الطائفية او التحريض عليها. ونظرة سريعة الى الوراء ترينا كم عاش المفتنون الطائفيون والمحرضون اياما سعيدة في كنف حماية وزارة الاعلام. هذا اذا لم نرد التحدث عن المعايير التي تصنف بموجبها القضايا بين طائفية وعدم طائفية، وهل يشمل ذلك آراء العلماء والمجتهدين او الدراسات الموثقة او الكتابات النقدية... وكلها أمور لا نعتقد أن أحدا في وزارة الاعلام يمكن ان يكون متبحرا فيها.

وفي التعديلات ايضا: «إذا تضمن المطبوع ما يمس الوحدة الوطنية او يثير الفتن في المجتمع او يحرض على ذلك او كان يخدم هيئة او دولة اجنبية...» يدفع غرامة بين 200 الف و300 الف دينار. نحن نفهم ألا يتخابر احد مع دولة اجنبية. ألا يتجسس لمصلحتها. ألا يخون ارضه وبلده ومجتمعه... وهذه كلها منصوص عليها في القوانين العامة أساسا. إنما لا نفهم كيف تكون خدمة دولة اجنبية او هيئة أجنبية أمرا مخالفا للقانون. فإذا أشادت الصحيفة او التلفزيون بدولة اجنبية حققت إنجازا كبيرا في ميدان معين فهي تخدمها، وإذا مدحا هيئة انسانية أو دولية فإنهما يخدمانها. فهل يتحضر اصحاب وسائل الإعلام لدفع نحو مليون دولار مع كل حديث عن إنجاز؟

نترك ذلك ونصل الى الجملة الاكثر غموضا. «او يمس النظام الاجتماعي او السياسي في الكويت» وهذه ايضا عقوبتها تصل الى مليون دولار مع احتمال سحب ترخيص الوسيلة الاعلامية. ماذا يعني مس النظام الاجتماعي؟ هناك فئة كبيرة ترى ان فئات اخرى تمس نظامها الاجتماعي من خلال تدخلها لفرض آراء معينة تتعلق بحياتها اليومية مثل منع ارتياد الشواطئ والسباحة وتحريم الموسيقى والرياضة النسائية وفرض مناهج تربوية معينة... الخ. وهناك فئة كبيرة ترى ان فئات اخرى تمس نظامها الاجتماعي من خلال اصرارها على ارتياد الشواطئ والسباحة وتحليل الموسيقى والرياضة النسائية ومقاومة فرض مناهج تربوية معينة... الخ. كيف ستتعامل وسائل الاعلام مع هذا المساس او ذاك بالنظام الاجتماعي؟ اللهم الا اذا اصيب مسؤولو الوزارة بمس يفتح شهيتهم على العقوبات والمزيد من العقوبات.

أما بالنسبة الى النظام السياسي فالمطلوب ايضا ان نعرف اذا كانت المطالبة مثلا بتطويره نحو مزيد من الحريات والمكتسبات الدستورية يعتبر مسا به... وقس على ذلك عشرات الامثلة.

وتحظر التعديلات على مشروع القانون «بث او اعادة بث اي من البرامج او المواد المرئية او المسموعة بكل انواعها او اي جزء منها قبل ان تصدر لها اجازة من الوزارة المختصة». هنا نحن نتكلم عن ضرورة عرض اي فكرة او عمل على الوزارة لتجيزه قبل انتاجه تلفزيونيا... وهذا لم يعد موجودا في الكونغو. ومع ذلك نقف باستغراب امام الجزء الآخر من العبارة: «أو إعادة بث اي من البرامج او المواد المرئية او المسموعة بكل انواعها»، اي بمعنى اصح ان العمل الذي تجيزه الوزارة ويبث يمنع بثه مجددا إلا بإذن من الوزارة... وهذا لم يعد موجودا في الصومال.

تبقى نقطة أشد سواداً من كل ما سبق. في ستينيات القرن الماضي اي قبل 50 عاما كان القانون يجيز طبع الكتب على ان تتحمل الجهات الطابعة مسؤولياتها وتمارس رقابتها الذاتية ويتم التعامل مع المطبوعات بعد اصدارها. اليوم تمنع التعديلات الجديدة طبع كتاب قبل إجازته... وهذا لم يعد موجودا في تورا بورا.

لم يقل أحد إن القانون الحالي مثالي، لكنه لم يطبق بالشكل السليم لمعرفة ما اذا كانت العقوبات التي فيه رادعة ام لا. نعم حصل الكثير من المخالفات لم يتسع لعرضها تقرير ديوان المحاسبة. مخالفات تتعلق مباشرة بصلب عمل الوزير والوكيل. لكن السؤال هو هل كون وزير الاعلام ووكيل وزارة الاعلام من الاسرة يشكل عنصرا عاصما لهما من المحاسبة؟ هل تمت محاسبتهما او سؤالهما حتى عما ورد في التقرير من مخالفات أم «ما عليهم شرهة»؟ أم أن الحل قضى بالهروب إلى الامام... الى السلطة الرابعة وأنصارها وعشاقها ومتابعيها بقبضات القمع والجهل والغموض؟

أعاننا الله على عبور النفق المظلم.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي