وأيضاً... الفيصل يا فيصل

تصغير
تكبير
«أوجه خطابي إلى جاسم بودي (أبو مرزوق) لأقول له إنني عندما قررت أن أعتزل الانتخابات اتصلت عليّ وكتبت مقالا بعنوان (الفيصل يا فيصل) كانت منطلقاته الوطن والشعب. واليوم نريد أن تكون «الراي» رأي البلد وأن تفتح هذا الحصار على الدستور ولا نقولها تشكيكا إنما نقولها مطالبين».

مقتطف حرفي من كلام النائب الفاضل فيصل المسلم في مؤتمره الصحافي أمس في مجلس الأمة، توجه به إلى شخصنا.

نعم يا أبا علي، كتبت لك عندما قررت اعتزال الحياة البرلمانية «الفيصل يا فيصل» وها أنا أكتب إليك «وأيضا... الفيصل يا فيصل»، وسأقول لك اليوم ما قلته لك سابقا: «اختلفنا واختلف كثيرون مع بعض مواقفك واتفقنا واتفق كثيرون مع بعضها الآخر، لكنك في المقابل كنت صادقا مع نفسك».

أكرر ما قلته سابقا لذلك ولست مضطرا لتأكيد الثبات على القناعات، لكن اسمح لي أن أتوقف قليلا عند عباراتك: «كانت منطلقاته الوطن والشعب» و«نريد أن تكون (الراي) رأي البلد» و«أن تفتح هذا الحصار على الدستور».

بالنسبة إلى العبارة الأولى، لا أريدك يا فيصل وأنت الأخ والصديق أن تقع في فخ وقع فيه كثيرون من سياسيي البلد، فتعتبر (لا سمح الله) أن منطلقات الوطن والشعب تدور حول قضيتك بالذات فإذا لم يتم التعاطي الإعلامي معها بتركيز خاص أو توجيه مباشر فإن «المنطلقات» تصبح يتيمة لا أب لها. وأنت الأدرى بأن «الراي» لم تتوقف يوما عن تجسيد «منطلقات الوطن والشعب» في مختلف المجالات الوطنية، بل دفعت أثمانا بسبب ذلك لم تدفعها وسيلة إعلامية أخرى.

ما علينا من «المنطلقات» فأنت ونحن وكثيرون نلتف حولها. أما بالنسبة إلى دعوتك «الراي» لأن تكون «رأي البلد»، فهنا اسمح لنا بأن نحيل إليك كم القضايا التي أثارتها الصحيفة خصوصا في الأشهر الثلاثة الأخيرة وتتعلق بأمن البلد واستقرار البلد ومناعة البلد. رفعنا السقف في قضايا الفساد والانتهاكات للمال العام والتجاوزات القانونية ومخاطر الأغذية الفاسدة وتسرب الغاز إلى الدرجة التي اعترفت معها الوزارات المعنية وللمرة الأولى بحصولها واعدة بالإصلاح ومحيلة المتسببين إلى القضاء.

من التربية والتعليم والإعلام إلى الرياضة، ومن الصحة إلى الأمن، من كشف قيادات متورطة إلى إنصاف مظلومين اتهموا من دون وجه حق... هذه «قضايا البلد» أيضا أليس كذلك يا أخي فيصل؟

وعن فك حصار الدستور فأنا أكثر من خصص افتتاحيات عن هذا الموضوع، بعد الأخ والأستاذ أحمد الديين بطبيعة الحال، ويا ليتك تعود إلى ما كتبته في 12/ 11 /2010 عن العوامل التي تحاصر الدستور وكيف أن أطرافا في السلطة وغير السلطة تريد تعميم ثقافة «الدساتير» الأخرى من مذهبية وقبلية ومناطقية، كي يكفر الناس بالدستور من جهة وتتوقف المطالبات بعدم تطبيقه من جهة أخرى. ومع ذلك ما زلت أعتبر نفسي مقصرا في موضوع الدستور وأتمنى أن يعترف غيري أيضا بأنه مقصر أو«معجب» بفكرة «الدساتير الأخرى».

ويجب أن نتفق أن الدستور ليس حكرا علينا كإعلاميين أو عليكم كنواب أو على الحكومة أو على أي سلطة أخرى. ويجب أن نتفق أيضا أن الحكم على النيات أمر لا يجوز، وكما أننا لم نقبل اتهامات الآخرين لك من حكوميين وغير حكوميين بالعمل ضد الدستور فإننا يجب أن نرفض أيضا إطلاق اتهامات سريعة للآخرين بأنهم يعملون على تفريغ الدستور... فالقوانين والأدلة والوقائع والتشريع والقضاء هي أيضا الفيصل يا فيصل وليست الحسابات السياسية.

وإذا كنت مستاء من التغطيات الإخبارية الكاشفة لبعض الممارسات النيابية الخاطئة، فإنني أنطلق أيضاً من قاعدة «صديقك من صدقك لا من صدّقك». أنا يا أخ فيصل أترجم قناعاتي وآرائي في هذه الافتتاحية ولن أستعرض لأقول إنني قادر أو غير قادر على مواجهة الضغوط فأنا لست تحت الضغوط أساسا ولا حاجة لي عند أحد كي أساوم عليها. رأيي أعلنه لكن الصحيفة ملك لقارئها وليست ملكا لي بالمعنى المهني الحرفي، لذلك لا يجب أن تلام الصحيفة إذا كان أحد زملائك النواب تجاوز ونشرت تجاوزاته، أو إذا كان من يفترض أنهم حماة القانون ينتهكون القانون. وعندما نكرس جهدنا لكشف مخالفات الوزارات وأخطاء الوزراء فالموضوعية تقتضي أن ننشر أيضاً كل ما يتعلق بأخطاء النواب ومخالفاتهم... هذا إذا كنت تقصد تحديداً ما نشرناه عن محاولة تزوير محاضر الغياب والحضور التي أساءت لصاحبها قبل أن تسيء لمن نشر.

مرة أخرى، أشكرك يا أبا علي على شجاعتك وصراحتك ومباشرتك فهذه خصال الفرسان. قلبك وسيفك وضميرك على موجة واحدة سواء كانت في الوجهة الصحيحة أو الخاطئة، بعكس كثيرين قلوبهم سوداء وسيوفهم متعددة الاتجاهات وضمائرهم مؤجرة لمن يدفع أكثر. وكن على يقين بأنني من الذين يعلنون قناعاتهم وهم يعرفون أنها ستواجه باللوم والعتاب والعداء والمحاربة أو بالاستحسان والتأييد فهذه سنة الانسجام مع النفس. أما النفاق والتدليس والكذب والطعن في الظهر فهي سنة الضعفاء المنحرفين، وسنة عشاق الظلام الخائفين من ضوء الشمس... وما عليك يا أبا علي إلا متابعة الوثائق التي ينشرها «ويكيليكس» وانتظار القادم منها.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي