كتابنا الدائم ...«عنك أتكلم»


أصدر الرئيس باراك أوباما كتابه الثالث، انما للأطفال هذه المرة، بعنوان «عنك أغني» يتضمن سير 13 شخصية رائدة في أميركا واضعا صورة ابنتيه على الغلاف وهما في مواجهة أفق مفتوح. قبل اصدار كتابه بيوم وجه أوباما رسالة الى المسلمين لمناسبة عيد الأضحى تحدث فيها عن ذكرى تأهب سيدنا إبراهيم للتضحية بابنه... قبل ذلك بنحو شهرين أرسل أوباما الى المسلمين رسالة لمناسبة شهر رمضان المبارك تعهد فيها ببناء عالم «أكثر سلاما وأمنا» مشيرا بالتحديد الى العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين المحتلة ومؤكدا أن أميركا «ستقف دائما مدافعة عن الحقوق العالمية لجميع البشر المتمثلة في حرية الكلام وممارسة دينهم والمساهمة الكاملة في مجتمعاتهم وأن تكون لديهم الثقة في سيادة القانون».
عندما ننظر الى العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان والصومال وغيرها ونستمع الى كلام الرؤساء الأميركيين نجد أنفسنا أمام منطقتين: واحدة تلتهب والاخرى تتلو عليها شعارات وكلمات كأنها أغنيات. سلام، حريات، ديموقراطية، امان، حقوق، قانون، تقرير مصير... بينما الأرض تميد بكل أنواع الحروب والقمع والخوف والإرهاب والفوضى وشعائر الغاب واغتصاب الحقوق. طبعا الأميركي ليس مسؤولا عن كل جوانب الصورة لأن «العيب فينا يا فحبايبنا» لكنه مسؤول بالتأكيد في التدخل على قواعد الانتقام والجهل وردود الفعل. بل تصل المسؤوليات الى مستوى الفضائح مع التبريرات التي تسوقها الإدارة الأميركية للفشل الذي زرعته. ألم تهتز مشاعر الملايين عندما كشف الرئيس جورج بوش في مذكراته أنه أصيب بغثيان معوي عندما أكد له القادة العسكريون عدم اكتشاف أسلحة دمار شامل في العراق، وكأن هذه الاسلحة اقسى على المشهد الإنساني من منظر اكتشاف القبور الجماعية لحظة سقوط النظام العراقي.
بعيدا عن «غثيان» الرئيس بوش الذي أبقاه سرا لسنوات عدة قبل أن يقرر كشفه في كتابه، كانت أشلاء الأبرياء تتطاير علنا في فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان ولبنان لكن الادارة الأميركية فضلت التعامل معها وكأنها سر قد يطويه الزمان. هذه الدول التي ذكرها الرئيس أوباما وقبلها الصومال تدخلت الولايات المتحدة فيها بشكل مباشر عسكريا وسياسيا من أجل تقويم خطأ ثم تركتها بخطيئة. تمسكت بظاهرة واحدة مثل صندوق الاقتراع لتمسح بها كل انواع الفشل الاخرى لكن هذه الظاهرة على اهميتها لا تساوي في المعادلات الإنسانية جزءا بسيطا من الثمن الذي دفعته هذه الدول والمجتمعات.
غادر العم سام، ويغادر، وسيغادر... تاركا هذه الدول المتعبة لجيرانها كي تشارك في تقرير مصيرها مادة أذرعها حاصدة ولاءات مجموعات عرقية وطائفية على حساب الولاء للدولة. طبعا هو ليس مسؤولا عن التطرف الشيعي أو السني أو الكردي أو المسيحي والعرقي والمناطقي والعشائري فنحن أباطرة هذه البضاعة المتخلفة نملك منها ما يكفي لتصديرها، لكن تفكيك ركائز الدول وتفتيت مؤسساتها وتركها لسيادة الفراغ عوامل تغري بالاستدراج في بيئة جاذبة للاستقطاب.
لا يعرف الأميركي طبيعة المنطقة وشعوبها. ينظر اليها بعين الانتقام أو بعين المصلحة او بالعين الإسرائيلية أو بالعين «التجريبية». يستحضر دائما نموذجي المانيا واليابان. يا سيدي نحن لسنا لا ألمانيا ولا اليابان. لم نملك مجتمعا متماسكا على قواعد اقتصادية انتاجية ضخمة صناعيا وزراعيا ولم نكن امبراطوريات هددت العالم في القرن الماضي. يعرف الأميركي كيف يدير الحرب مدججا بافضل التكنولوجيا العسكرية لكنه لا يعرف كيف يدير السلم. يعرف كيف يهدم نظاما ولا يعرف كيف يبني آخر أكثر تقدما. يعرف التغني بشعارات ومثل وقيم ولا يعرف طريقا لتنفيذها إلا في... اميركا.
تحدث اوباما عن تأهب سيدنا ابراهيم للتضحية بابنه وقال إن أميركا ستبقى مدافعة عن الحقوق العالمية لجميع البشر... ليت سيد البيت الأبيض يضحي بجزء بسيط من الدعم المطلق اللامحدود لإسرائيل، وليته يعرف أن أهل هذه المنطقة ضحوا بأرواحهم وأبنائهم من أجل الحق في الحياة قبل أن نتحدث عن الحقوق الاخرى.
أشار أوباما الى «حرية الكلام والمساهمة الكاملة للشعوب في مجتمعاتها وأن تكون لديها الثقة في سيادة القانون»... وليته يعرف أن أميركا صدّرت أشياء كثيرة الى المنطقة لكنها فضلت صفقات السلاح مثلا على برامج التعاون القانوني والرقابة الدولية لتطبيق القوانين. السلطات الأميركية تستطيع أن تخنق مشتبها به في الماء أو تخطف رجلا من أي دولة في العالم لكن الشرطي الأميركي يعجز عن رفع صوته على المواطن الأميركي خوفا من القانون.
... ويستطيع أوباما أن يؤلف كتابا بعنوان «عنك أغني» عن رواد أميركيين واضعا على غلافه صورة لابنتيه أمام أفق مفتوح، ونستطيع أن نؤلف كل يوم كتابا عن ضحايا العرب والمسلمين ونضع على غلافه صورة أطفال شهداء أمام جدار مسدود عليه نجمة إسرائيل وقبعة العم سام بعنوان... «عنك أتكلم».
جاسم بودي
عندما ننظر الى العراق وأفغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان والصومال وغيرها ونستمع الى كلام الرؤساء الأميركيين نجد أنفسنا أمام منطقتين: واحدة تلتهب والاخرى تتلو عليها شعارات وكلمات كأنها أغنيات. سلام، حريات، ديموقراطية، امان، حقوق، قانون، تقرير مصير... بينما الأرض تميد بكل أنواع الحروب والقمع والخوف والإرهاب والفوضى وشعائر الغاب واغتصاب الحقوق. طبعا الأميركي ليس مسؤولا عن كل جوانب الصورة لأن «العيب فينا يا فحبايبنا» لكنه مسؤول بالتأكيد في التدخل على قواعد الانتقام والجهل وردود الفعل. بل تصل المسؤوليات الى مستوى الفضائح مع التبريرات التي تسوقها الإدارة الأميركية للفشل الذي زرعته. ألم تهتز مشاعر الملايين عندما كشف الرئيس جورج بوش في مذكراته أنه أصيب بغثيان معوي عندما أكد له القادة العسكريون عدم اكتشاف أسلحة دمار شامل في العراق، وكأن هذه الاسلحة اقسى على المشهد الإنساني من منظر اكتشاف القبور الجماعية لحظة سقوط النظام العراقي.
بعيدا عن «غثيان» الرئيس بوش الذي أبقاه سرا لسنوات عدة قبل أن يقرر كشفه في كتابه، كانت أشلاء الأبرياء تتطاير علنا في فلسطين والعراق وافغانستان وباكستان ولبنان لكن الادارة الأميركية فضلت التعامل معها وكأنها سر قد يطويه الزمان. هذه الدول التي ذكرها الرئيس أوباما وقبلها الصومال تدخلت الولايات المتحدة فيها بشكل مباشر عسكريا وسياسيا من أجل تقويم خطأ ثم تركتها بخطيئة. تمسكت بظاهرة واحدة مثل صندوق الاقتراع لتمسح بها كل انواع الفشل الاخرى لكن هذه الظاهرة على اهميتها لا تساوي في المعادلات الإنسانية جزءا بسيطا من الثمن الذي دفعته هذه الدول والمجتمعات.
غادر العم سام، ويغادر، وسيغادر... تاركا هذه الدول المتعبة لجيرانها كي تشارك في تقرير مصيرها مادة أذرعها حاصدة ولاءات مجموعات عرقية وطائفية على حساب الولاء للدولة. طبعا هو ليس مسؤولا عن التطرف الشيعي أو السني أو الكردي أو المسيحي والعرقي والمناطقي والعشائري فنحن أباطرة هذه البضاعة المتخلفة نملك منها ما يكفي لتصديرها، لكن تفكيك ركائز الدول وتفتيت مؤسساتها وتركها لسيادة الفراغ عوامل تغري بالاستدراج في بيئة جاذبة للاستقطاب.
لا يعرف الأميركي طبيعة المنطقة وشعوبها. ينظر اليها بعين الانتقام أو بعين المصلحة او بالعين الإسرائيلية أو بالعين «التجريبية». يستحضر دائما نموذجي المانيا واليابان. يا سيدي نحن لسنا لا ألمانيا ولا اليابان. لم نملك مجتمعا متماسكا على قواعد اقتصادية انتاجية ضخمة صناعيا وزراعيا ولم نكن امبراطوريات هددت العالم في القرن الماضي. يعرف الأميركي كيف يدير الحرب مدججا بافضل التكنولوجيا العسكرية لكنه لا يعرف كيف يدير السلم. يعرف كيف يهدم نظاما ولا يعرف كيف يبني آخر أكثر تقدما. يعرف التغني بشعارات ومثل وقيم ولا يعرف طريقا لتنفيذها إلا في... اميركا.
تحدث اوباما عن تأهب سيدنا ابراهيم للتضحية بابنه وقال إن أميركا ستبقى مدافعة عن الحقوق العالمية لجميع البشر... ليت سيد البيت الأبيض يضحي بجزء بسيط من الدعم المطلق اللامحدود لإسرائيل، وليته يعرف أن أهل هذه المنطقة ضحوا بأرواحهم وأبنائهم من أجل الحق في الحياة قبل أن نتحدث عن الحقوق الاخرى.
أشار أوباما الى «حرية الكلام والمساهمة الكاملة للشعوب في مجتمعاتها وأن تكون لديها الثقة في سيادة القانون»... وليته يعرف أن أميركا صدّرت أشياء كثيرة الى المنطقة لكنها فضلت صفقات السلاح مثلا على برامج التعاون القانوني والرقابة الدولية لتطبيق القوانين. السلطات الأميركية تستطيع أن تخنق مشتبها به في الماء أو تخطف رجلا من أي دولة في العالم لكن الشرطي الأميركي يعجز عن رفع صوته على المواطن الأميركي خوفا من القانون.
... ويستطيع أوباما أن يؤلف كتابا بعنوان «عنك أغني» عن رواد أميركيين واضعا على غلافه صورة لابنتيه أمام أفق مفتوح، ونستطيع أن نؤلف كل يوم كتابا عن ضحايا العرب والمسلمين ونضع على غلافه صورة أطفال شهداء أمام جدار مسدود عليه نجمة إسرائيل وقبعة العم سام بعنوان... «عنك أتكلم».
جاسم بودي