الكوليرا... تزيد من طلب العراقيين على المياه المعدنية

تصغير
تكبير



|    بغداد - من حيدر الحاج   |


«مصائب قوم عند قوم فوائد»... هذه المقولة بدأت تطبق حرفيا في العراق في الوقت الحالي بعدما أدى تفشي وباء الكوليرا في عدد من محافظاته الشمالية والجنوبية والوسطى، الى زيادة الطلب على المياه المعدنية المعبأة في عبوات بلاستيكية مختلفة الاحجام سواء كانت محلية الصنع أو تلك المستوردة من بلدان عربية واجنبية والتي يوصي الاطباء والدوائر الصحية التابعة لوزارة الصحة والمنظمات الصحية الدولية بتناولها بكثرة وباستمرار، للوقاية من المرض الذي تعتبر مياه الانهار مصدرا رئيسيا لانتقاله وتساعد على تفشيه.

وبعدما أطلقت وزارة الصحة العراقية والمؤسسات التابعة لها، ومنظمة الصحة العالمية حملتها الارشادية والتوعوية للوقاية من هذا المرض والحد من انتشاره في عموم مناطق البلاد التي تعتبر في الوقت الحالي ارضية خصبة لتفشي اوانتقال اي مرض بسرعة فائقة نتيجة غياب الرعاية الصحية الجيدة واندثار البنى التحتية الصحية كالمستشفيات والمراكز الصحية والنقص الحاد الذي تعاني منه تلك المؤسسات في الكوادر الطبية والادوية والمستلزمات لمواجهة اي وباء اومرض معدي، سارع الكثير من العراقيين للحصول وتخزين كميات كبيرة من المياه المعدنية المخصصة للشرب من الاسواق والمحلات التجارية المنتشرة في مناطقهم لغرض التزام تعليمات وتوجيهات الدوائر الصحية ومنع انتقال الفيروس المسبب للمرض اليهم او لعوائلهم.

بعض العراقيين ممن التقتهم «الراي» أكدوا انهم يطبقون المبدأ الصحي «الوقاية خير من العلاج»، لمعرفتهم انه وفي حال تعرضهم للمرض فان مسالة العلاج داخل المستشفيات العراقية امر مستحيل وبعيد المنال نتيجة الحالة المزرية لمعظم المستشفيات في البلاد وعدم توافر العلاجات الخاصة بالامراض فيها، فضلا عن غياب الاخصائيين والكوادر التي يمكن لها الحد من انتشار المرض والقضاء عليه نهائيا.

ويقول سعد لعيبي (43 عاما): «منذ الاعلان عن ظهور حالات اصابة بالمرض في مناطق اقليم كردستان، سارعت الى شراء كميات من علب المياه المعدنية، من اجل ان ابعد عن عائلتي وأطفالي خطر التعرض الى مثل هذا الوباء الخطير والذي يسبب الموت في بعض الاحيان».

ويضيف: «الحالة الصحية في البلاد متردية جدا ولاتتحمل التعرض للاصابة بمثل هذا المرض والجميع يحاول بطريقة أو بأخرى الوقاية والابتعاد عن أي مسبب يمكن ان يعرضه وعائلته الى الخطر، لذلك فمبدأ السلامة واتخاذ تدابير الوقاية أفضل من الاصابة بالمرض والخضوع الى فترة علاج يمكن ان تطول كثيرا».

ويواظب لعيبي الذي يعمل مهندسا فنيا في احد فنادق بغداد على شراء علبة مياه معدنية واحدة تحتوي على (24) عبوة متوسطة وفي بعض الاحيان كبيرة الحجم يوميا من السوق لكي تستخدمها عائلته في الشرب وطهي الطعام، وهو مصروف اضافي اخر زاد من الاعباء التي يتحملها في ظل حياة صعبة يعيشها كغيره من العراقيين.

ويؤكد ان «كل العراقيين يعانون من مشكلة المياه الصالحة للشرب التي تصل منازلهم عبر الانابيب من محطات ومشاريع تصفية وانتاج المياه الصالحة للشرب في عموم البلاد، والتي تكون في بعض الاحيان مختلطة بمياه الصرف الصحي، أو تكون محملة بشوائب طينية، لذلك يضطر معظمهم، ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بهم الى شراء عبوات المياه المعدنية خصوصا اذا كان لديهم اطفال صغار لايستطيعون مقاومة المرض».

وطالب المسؤولون في وزارة الصحة والسكان بضرورة اتباع الارشادات والنصائح التي اطلقتها في حملاتها الدعائية المخصصة لمواجهة هذا المرض، كذلك التزام توصيات الفرق الطبية العاملة في مختلف انحاء البلاد والتي دعت الى استخدام المياه المعقمة كحل من الحلول المتاحة للوقاية وعدم التعرض للاصابة بفايروس الكوليرا، أو تسخين مياه الاسالة العامة قبل استخدامها للشرب او طهي الطعام، وغسل الخضراوات والفواكه بصورة جيدة، والابتعاد عن شراء الاطعمة المكشوفة والمعرضة للتلف بسرعة.

من جهته، يحرص حيدر الشيباني (54 عاما) على «استخدام مرشح تنقية المياه (الفلتر)، اضافة الى قيامه بعملية تعقيم المياه من خلال تسخينها قبل استخدامها سواء للشرب او للامور الحياتية الاخرى، كتدبير وقائي من المرض»، مؤكدا ان «هذا الامر لم يغنيه عن شراء المياه المعدنية من الاسواق لغرض الشرب فقط».

وقال ان «كل التدابير التي أوصت بها وزارة الصحة للوقاية من الكوليرا يتم مراعاتها في المنزل، مع الحذر الشديد من تناول اي اطعمة ومشروبات مكشوفة من الخارج، الا ان ذلك لم يمنعنا من شراء كميات كبيرة من المياه المعدنية نستخدمها للشرب فقط».

واضاف: «تستخدم عائلتي المكونة من 12 فردا المياه المعدنية للشرب اصلا قبل ان يتم الاعلان عن ظهور حالات اصابة بالكوليرا في شمال البلاد، لان المياه التي تصلنا من محطات تصفية المياه عبر الانابيب تكون في الغالب غير صالحة للشرب وتحتوي على كثير من الشوائب، وهذا اكتشفناه من خلال عملية الترشيح والتصفية التي نقوم بها داخل المنزل بواسطة الفلتر الذي نصبناه على صنبور الاسالة مباشرة».

وتابع: «بعدما اكتشفنا حجم التلوث في المياه قبل اكثر من سنتين، سارعنا الى شراء الفلتر لتصفية المياه ومن ثم تعقيمها عبر تسخينها بدرجات حرارة عالية، ومنذ ذلك الوقت ونحن نتناول المياه المعدنية للشرب، وخلال هذه الايام لاحظت وجود طلب متزايد على المياه المعدنية، فصاحب المتجر الذي اشتريت منه علب المياه ابلغني بانه يذهب يوميا الى سوق الشورجة لتسوق هذه المادة وبكميات كبيرة فقط لان الطلب زاد عليها وارتفع سعرها في السوق».

ويؤكد أبو علي التميمي (48) عاما صاحب محل تجاري مختص ببيع المشروبات الغازية وعلب المياه المعدنية لـ «الراي» انه «ضاعف من حجم الكمية التي كان يجلبها في السابق من المياه المعدنية بعدما زاد حجم الطلب عليها من قبل الفقراء والاغنياء على حدا سواء». واضاف: «في السابق كان حجم المبيعات لايتعدى اربع او خمس علب في اليوم، اما الان فان حجم المبيعات زادت حيث اصبحت المبيعات تتعدى 20 علبة في اليوم بعدما اصبح الاقبال عليها من قبل عامة الناس كبير جدا، وفي بعض الاحيان تنفذ الكمية الموجودة في محلي، ما يضطرني الى الذهاب مرة اخرى الى السوق لجلب كمية تكفيني لمدة اربعة او خمسة ايام».

ودفع الاعلان عن تفشي الوباء اصحاب المطاعم ايضا الى زيادة الطلب على المياه المعدنية لكي يتم تقديمها الى الزبائن الذين يرتادون مطاعمهم ويسألون بدورهم عامل المطعم عن نوعية المياه التي سيتم تقديمها اليهم وبعضهم يعتبرها شرط لدخوله المطعم.

ويقول حسن السوداني صاحب مطعم للاسماك: «حجم استهلاك المياه المعدنية في المطعم وصل الى سبع علب تقريبا كل واحدة منها تحوي على 24 قنينة كبيرة الحجم سعة الواحدة منها 1،5 لتر، وهو كبير قياسا لما كان عليه حجم الاستهلاك من هذه المادة». ويضيف: «بعض الزبائن الجدد يطلبون التأكد من نوعية المياه التي سيتم تقديمها اليهم حيث يقومون بفتحها والتأكد منها، لان بعض المطاعم تقدم مياه عادية يتم تعبئتها في قناني بلاستيكية مشابهة لقناني الشركات المنتجة لهذه المادة».

ويوضح السوداني انه «يجلب الى مطعمه 70 علبة من المياه المعدنية اسبوعيا من شركة محلية تنتج هذه المادة منذ وقت طويل، وهو ضعف ما كان عليه العدد قبل الاعلان عن ظهور مرض الكوليرا في البلاد»، مؤكدا ان «أسعار المياه المعدنية ارتفعت نتيجة الطلب المتزايد عليها».

وبارتفاع حجم الطلب على هذه المادة الحيوية والضرورية لحياة الفرد، يبقى العراقيون وبلدهم مسرحا للازمات والمشاكل التي تعصف بهم بين فترة واخرى، وكانت حياتهم تنقصها مثل هذه الازمات والمشاكل الجديدة.




الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي