للمرة المليون ... فككوها!

تصغير
تكبير
يمكن اختصار ما شهدناه في الايام القليلة الماضية بالعبارات نفسها التي كنا نسوقها مرارا محذرين ومنبهين. فإدخال اللعبة السياسية في كل شيء ولو على حساب القانون، واستخدام الاسلحة المحرمة أخلاقيا في النيل من الخصوم، وتجميع الاوراق على انقاض الانقسامات المذهبية والطائفية والقبلية والمناطقية... كلها أمور ستؤدي الى لغة اخرى في التعاطي بين الناس لا علاقة لها لا بدولة القانون والمؤسسات ولا بالعادات والقيم التي جبل عليها أهل الكويت.

ما حصل بالأمس، وما قد يحصل اليوم أو غدا، ليس الا الجزء الظاهر من جبل الجليد، فالمسؤولية تقتضي معالجة مشاهد التصعيد والتوتر من بداياتها لا مع وصولها الى درجة التصادم. عندما نترك للخطاب الطائفي أن يصول ويجول في المنابر بدعم وتشجيع من «كبار» وعندما نترك الإساءات تتمادى في مسيرتها حاصدة الكرامات والأخلاقيات بتواطؤ أو بغض نظر وعندما ننسى القانون ونجتهد في التلاعب لإبعاده عن مكانه ومكانته ثم ننتفض مرة واحدة لاستخدامه في التوقيت الخطأ وبالشكل الخاطئ المتعسف وأيضا لأهداف سياسية أو مسايرة لمسؤول... عندما يحصل ذلك كله فلابد أن نشهد ما شهدناه بل أكثر منه.

والمفارقة ان وزارة الإعلام في قلب غالبية الحوادث التي وترت الاجواء العامة... سواء في حضورها او في غيابها. فهي تحضر حيث يجب أن تغيب وتغيب حيث يجب ان تحضر. وزارة ضائعة تائهة أصبحت عبئا على الحكومة والادارة السياسية قبل ان تكون عاملا قاصرا عن مواكبة التطور والتقدم ولعب الدور المطلوب منها خصوصا في الأزمات. وزارة يعترف مسؤولوها بأنها «مغارة علي بابا» ويقرون بأن لها ألف باب وألف مفتاح وبأنها نموذج للبيروقراطية المترهلة في الدولة وصرح شامخ للواسطات والمحسوبيات والصفقات بين الحكومة والمجلس اذ تمتلئ بآلاف الموظفين الذين لا أماكن لهم أصلا ولا يداومون اساسا ولا خبرة لديهم بداية. سيرهم الذاتية عبارة عن كتاب «لا مانع» وقّع عليه وزير أو وكيل بعد «شهر عسل» مع نائب.

وزارة غائبة عن السمع، خرجت ولم تعد... ولم يكلف مسؤولوها أنفسهم بتقديم بيان إلى أقرب مخفر عن تغيبها او هويتها لأنها بلا حضور ولا هوية. وزيرها تمنى ألا تعطى له لكنه قبل بها بعد «حسبة» داخلية خاصة بالسلطة التنفيذية وبطرف داخل السلطة التنفيذية. وكلاؤها رؤساء مناطق وأقاليم يحضرون ويغيبون عندما تحضر (...) وتغيب. مدراؤها بين مطارق الوكلاء والوزير وبين سندان التطوير ومصلحة العمل. جيش الموظفين فيها «كتائب» موزعة الولاء لرؤساء الأقسام او المدراء او الوكلاء حسب علاقة كل طرف من هؤلاء بمن أوصى به.

وبعيدا عن تركيبتها، فإن الوزارة لم تلعب الا دورا سلبيا في التعاطي مع الحوادث المؤسفة. غابت عند الفتن الطائفية والمذهبية و«خافت» (نعم «خافت») من تطبيق القانون على البعض، ثم أمطرت وسائل إعلام بعشرات القضايا لانها تحدثت عن أشخاص يتعاطون المخدرات او يقيمون علاقات غير شرعية فهذه ضد «القيم والعادات» ورفع قضايا على وسائل اعلام بشأنها يخفف من تهديدات نواب متطرفين بالمساءلة السياسية. هذه هي مسيرة الوزارة. هكذا تسير اداريا وهكذا تسير سياسيا. وعندما يسأل رئيس الحكومة الوزير عن التسيب لا يملك الاخير إلا ردا واحدا: عدلوا قانوني «المطبوعات» و«المرئي والمسموع»، وعندما يسأله عن تطبيق القانونين قبل تعديلهما يدخل الوزير في متاهات الوكيل ومستشاري الوكيل والخبراء القانونيين للوزارة ولا يخرج الجواب.

وبما أن الجميع اجمعوا على فشل وزارة الاعلام في تركيبتها الادارية ودورها السياسي وتطبيقها للقوانين، وبما ان اصلاح الخلل كلفته أكثر بكثير من التغيير علاوة على عدم وجود ضمانات لنجاحه في ظل العقلية السائدة، وبما ان التجارب التي مرت بالبلاد اثبتت ان الوزارة كانت قاصرة (كي لا نقول مشاركة) عن مواكبتها بالشكل السليم، نكرر دعوتنا للمرة المليون الى وجوب تفكيك الوزارة بذهنية ادارية فاعلة ومتفاعلة وتحويلها الى هيئات متخصصة في مجالات مختلفة، قادرة على لعب دور حقيقي في مواجهة الازمات بل على ضبط الامور والسيطرة عليها قانونيا قبل ان تتحول إلى ازمات، اضافة الى اعادة تنظيم هيكلها وكوادرها ووضعهم على المسار الصحيح للعمل والانجاز والتطور على قاعدة «الثواب والعقاب».

تفكيك الوزارة لا يحتاج الى تعديل دستوري ولن يستدعي ازمة سياسية بين السلطتين، بل ستكون الامور اكثر استقامة كون الوزير الذي يخشى اتخاذ قرار لخشيته من المساءلة السياسية سيحل محله مسؤول قادر على اتخاذ القرار دون ان يخشى إلا المحاسبة من مرجعيته، ثم ان التفكيك سيجعل الادارات والهيئات المتخصصة (اذاعة وتلفزيون وادارات صحف وفضائيات ومجلس ثقافة...الخ) اكثر قدرة على العمل والتطوير والانتاج من دون ادخالها في حسابات الوزير والوكيل.

لا نعلق مشاكلنا كلها على مشجب وزارة الإعلام، فالطائفية والعنصرية والمذهبية واللغة الهابطة موجودة و«شرها وفير» لكن الوزارة لعبت دورا سلبيا زاد النار اشتعالا وهي لم تعد فاعلة اساسا لا في قيادة الإعلام الرسمي ولا في التعامل مع الإعلام الخاص.

فككوا هذه الوزارة تمهيدا لتفكيك... عقد كثيرة!



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي