لم أر انساناً يتملكه الخوف والرعب والقلق مثل المعلم المسكين، فهو لا يدري كما يقول المثل «منو طقاقة» أي من سيقوم بمهاجمته؟، فقد يكون الهجوم من مدير المدرسة المتجهم، أو ربما من الموجه المتصيد، ولعله يأتي من ولي الأمر الغاضب، وما أكثر الهجمات من بعض الطلاب الذين لم يحسن الأهل تربيتهم.
فالمسكين يسعى ليرضي الجميع طمعاً في الحصول على الامتياز، أو على الأقل السلامة، فتراه يبيع في مقصف المدرسة، ويخلص معاملات المدير، ويوزع الكتب، ويتحمل حصص الاحتياط، ويتولى إشراف الجناح، ويطارد المتعلمين في الساحات، ويقوم بمهام وأعمال رئيس القسم، ويؤدي دور الممرض والمسعف أحياناً، وفي النهاية لا يجد جزاء ولا شكوراً.
المعلم والمعلمة هما الوحيدان اللذان لا ينتهي عملهما بانتهاء وقت الدوام بل يحملان ما تبقى من واجبات إلى خارج المدرسة من تصحيح كراسات، واستكمال سجلات، وتحضير دروس، وإعداد وسائل.
وهو الوحيد الذي ينفق على وظيفته بعكس الآخرين، وبعض مديرات المدارس تشترط على المعلمات، للحصول على الامتياز، تجميل أجنحة المدرسة على حسابها، أو صبغ الممرات من راتبها.
المعلم مرعوب حتى من التعبير عن رأيه أو المطالبة بحقوقه، ودليل ذلك خوفه من المشاركة في الاعتصام الذي دعت له جمعية المعلمين يوم الثلاثاء الماضي للتعبير عن رفض جموع المعلمين والمعلمات لإطالة ساعات الدوام، فكيف لهم المشاركة وقد تم التهديد بحصر اسمائهم، وبإرسالها إلى الوزارة، وأعتقد أن الكثير ممن كانت لديه النية في الاستئذان ذلك اليوم لإنجاز معاملاته أو مراجعة طبيبه، قد أجله ليوم آخر خوفاً من المساءلة التي تم تهديده بها.
المعلم المسكين يرى إقرار الكوادر لمن هم دونه في المستوى الوظيفي، ويرى الكادر يعطى عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه، ثم يتعداه فيكون لسان حاله (ما لنا في الطيب نصيب).
في العالم المتحضر كاليابان يعطى للمعلمين أعلى الرواتب، وتقدم لهم المميزات والهبات، وقد سئل وزير التعليم الياباني عن سر تفوق اليابان في فترة تعتبر وجيزة بعد هزيمتهم في الحرب العالمية، فأجاب قائلاً «وهبنا للمعلم راتب وزير وحصانة ديبلوماسي» أما في بلادنا فالمعلم يجرجر إلى المخافر دون تقدير أو احترام.
إن أقصى ما يحصل عليه المعلم المدح والثناء وعبارات التشجيع، والتي لا تسمن ولا تغني من جوع، وإذا أعطي أعمالا ممتازة فلا تتجاوز 200 دينار بينما في الوزارات الأخرى قد تحصل سكرتيرة على أضعاف هذه المكافأة.
قد يقول البعض ان من المعلمين من لا يستحق هذا اللقب أو ذلك التقدير، وأنا معكم في ذلك، فمن المعلمين والمعلمات من يتمارضون وليسوا بمرضى، ويشتكون من غير شكوى، وقد وقعت عيناي على بعض المعلمين ممن تركوا المدرسة ودخلوا إحدى المقاهي لشرب الشيشة، لكن هؤلاء بحمد الله تعالى قلة، أما السواد الأعظم من المعلمين والمعلمات فهو على قدر كبير من تحمل المسؤولية.
اعتصام جمعية المعلمين:
أعتقد أن الاعتصام الذي نفذته جميعة المعلمين أمام مبنى الوزارة كان ناجحاً، فبرغم جميع أساليب التهديد والوعيد، والمنع من الاستئذانات والاجازات، وبرغم حملة التشويه التي شنتها بعض القنوات لإضفاء الصبغة السياسية على الاعتصام، وبرغم الفترة التي تعتبر قصيرة لتنظيمه إلا أن الحضور الذي قدر ما بين 800 إلى 1000 مشارك لهو دليل على نجاح الجمعية في تبني قضايا المعلمين، وحشد الدعم المطلوب لنصرة قضاياهم.
وقفة: النائب الصرعاوي بدلاً من أن يقف إلى جانب المعلمين ويؤيد مطالبهم، نراه يدعو الوزارة إلى المضي في قرار إطالة الدوام، وهو بذلك جعل لسان حال المعلمين الذين صوتوا له يقول «بغيناه عون طلع فرعون والوعد صناديق الاقتراع».
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com