حالة كويتية لا حالة نفطية

تصغير
تكبير
شخصيا، لا أعرف السيد فاروق الزنكي الذي عينه وزير النفط الشيخ احمد العبدالله رئيسا تنفيذيا لمؤسسة البترول بالوكالة تمهيدا لتعيينه بالأصالة بمرسوم. لم ألتق بالرجل مسبقا ولم يحدث ان دار اي حوار بيني وبينه. لمست في سيرته الشخصية والعلمية كفاءة واحتراما كما تابعت تعرضه لانتقادات تتعلق بإدارته للعمل.

فاروق الزنكي مواطن كويتي مرشح اليوم لأحد أهم المناصب في الكويت ان لم يكن الاهم لعلاقته المباشرة بادارة الدخل الرئيسي للدولة. منصب يتجاوز الاعتبارات الادارية والعملية الى العلاقة الاستراتيجية بين القطاع الذي سيتولى ادارته وبين حاضر الكويتيين ومستقبلهم. قد يكون الزنكي أكفأ الموجودين للمنصب وقد لا يكون، وقد يكون غيره الأكفأ وقد لا يكون... لكن الذي حصل في قضية تعيين الزنكي، المستمرة فصولا منذ اسابيع، يعكس تماما حالة الكويت ويعطي اجابات عن تأخرنا وتراجعنا.

ولأن الوضع يحتاج الى الكلام المباشر، ولأن أمانة القلم تقتضي المصارحة، سنقول ما يجب ان يقال.

الاسلوب العلمي والقانوني والمهني لتعيين قيادي في منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة البترول، او شريان الحياة المالي للكويت، يقتضي وجود نظام داخلي يؤهل ويطور ويقيم ويختار ويرشح الأفضل والأكفأ والأكثر قدرة وخبرة. ويمكن لهذا النظام ان يستعين بطاقات دولية ايضا لضمان الحيادية وللاستفادة من خبرات مجربة ومعروفة عالميا في هذا القطاع. والمفترض وفق هذا التقييم ان يصل الى المنصب من تدرج في المؤسسة وخبرها وخبرته وكان له من التجربة الشيء الكثير ومن القدرة على الادارة باع طويل ومن العلم والخبرة زاد متجدد اضافة الى امتلاكه لرؤية استثنائية تحدد الاستراتيجية العامة للتطوير وعقد الاتفاقات ومعرفة أماكن الإفادة للكويت وما يمكن ان يزيد الدخل والأرباح... مع التزام سياسة صارمة لوقف الهدر والفساد والتسيب.

والمفروض ان يرشح هذا النظام، الذي قد يتجسد من خلال آليات إدارية ولجان مختصة، من يعتقد انه الأصلح لشغل المنصب، وان يقر الترشيح وزير شجاع ثم يرفعه الى مجلس الوزراء لاعتماد القرار.

وما حصل في قضية تعيين الزنكي لم يكن، يقينا، استنادا إلى الآلية التي ذكرناها سابقا والمعتمدة اساسا في مؤسسة البترول. ما حصل هو التالي: انتهت مدة الرئيس التنفيذي السابق سعد الشويب. كان على لجنة التطوير التي شكلها الوزير ترشيح من ترى انه الأكفأ استنادا الى معايير معينة يعلمها الوزير قبل غيره، فوضعت الترشيحات بعد تقييم شامل للقياديين. لم يهتم الوزير بتقرير اللجنة ليناقش الاسماء باستثناء اجتماعه مع اعضائها امس رغم ان واجبه في إدارة قطاع كهذا ان يعطي الوقت كله للنقاش معهم ليقنعهم اذا كانت له وجهة نظر مختلفة او يقنعوه اذا كانت معطياتهم مبنية على معايير واضحة. أخذ الوزير قرارا برّره لبعض من سأله بالقول :«الأمر مو بيدي... مفروض عليّ من فوق»، ثم نقل بعضهم عنه قوله في مجالس ضيقة ان نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الشيخ أحمد الفهد يتدخل في التعيينات وهو لا يريد ان يغضبه او يعين قياديا لايوافق عليه كي يتمكن من العمل بهدوء.

وسواء كان ما نقل عن الوزير حقيقة ام إشاعة، فما هكذا تدار الامور وتحديدا امور القطاع النفطي. وما زاد القضية تسييسا واشتعالا هو وقوف صحيفتين مع الزنكي وكأنهما على جبهة قتال ووقوف صحيفتين مع المرشح سامي الرشيد وكأنهما ايضا على جبهة قتال. واكمل عدد من النواب عملية التراشق على الجبهتين بتبادل الاتهامات بالتنفيع والمصالح. نواب بعضهم يتحدث مباشرة عن مصالحه، وبعضهم يدار بالريموت كونترول بحيث يبدو واضحا انه لا يعرف عما يتحدث وكأنه يتلو بيانا كتبوه له، وبعضهم يتحدث بموضوعية وخبرة وإحساس حقيقي بمصلحة القطاع والكويت... أما من يعبر بين المعسكرين عارضا للخبر والوقائع بلا انحياز فإن القصف الكلامي والاتهامي سينهمر عليه من أجل تصنيفه في هذا المعسكر او ذاك.

قد يستغرب كثيرون هذه المباشرة في مقاربة الموضوع ولكننا نسأل: أليست هذه حقيقة ما حصل؟ ألم يتابع الكويتيون هذه التفاصيل يوما بيوم؟ أليست هذه علامة جديدة من علامات «تفوق» الكويت في التراجع والتقهقر وخيانة أمانة الجيل الطامح بمستقبل مختلف؟

بغض النظر عن الإشاعات التي تتحدث عن دور للشيخ احمد الفهد سواء كان مصدر تسريبها وزير النفط ام غيره رغم ان احدا لم يتمكن حتى الآن من تقديم اي دليل على صحتها، وبغض النظر عن المواقف النيابية والاعلامية في هذا المجال، فإن هؤلاء جميعا ومع الاحترام الكبير لهم غير معنيين بالقرار التنفيذي «الصحيح» الذي يجب ان يؤخذ لمصلحة المؤسسة والكويت. هذا القرار يتطلب وزيرا شجاعا يحدد ما يريد وفق الانظمة والآليات المتبعة في المؤسسة بالتعاون مع اصحاب الخبرة والحكمة فيها، ولا يترك قضية بهذه الحساسية تتفاعل بطريقة تكشف عدم انسجام الوزراء وغياب الالتزام بالمعايير المهنية الصحيحة وتؤكد خلافات ابناء الاسرة وانعكاس هذه الخلافات على الاستقطاب النيابي والاعلامي... والنتيجة شلل المشاريع في دوامة القرار الخاطئ او القرار الغائب.

ما اشبه قضية النفط بما يجري في غالبية القطاعات في الكويت.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي