«أكتوبر» موعد موسكو مع ميلاد الثورة










| موسكو - من بدر محمد |
في الرابع والعشرين من أكتوبر، ووفق التقويم الروسي القديم الذي يأتي مبكراً عن التقويم الأوروبي حينذاك بثلاثة عشر يوماً، تأتي الذكرى التسعون لثورة البلاشفة. فمع ولادة القرن العشرين كان الشعب الروسي يحلم بثورة تحقق له الحرية والعدل والمساواة، باحثاً عن طريق للخلاص من حكم القيصر، ولقد تزامن هذا الحلم مع تنامي ظهور مجموعة من الشباب الروس جذبتهم الأفكار الاجتماعية للفيلسوف الألماني كارل ماركس ووجدوا فيها وسيلتهم للتخلص من ظلم المجتمع القيصري وطواغيت المال والنفوذ.
وكان أبرز هؤلاء الشباب فلاديمير أوليانوف، والذي عُرف في ما بعد لينين ورفيقه ليون تروتسكي، ولتبدأ أولى خطوات التغيير عام 1905 بالاعتصام والاضراب والمظاهرات الا أنها فشلت في تحقيق شيء من الحلم.
وفي ظل حكومة موقتة ومترهلة وضعيفة، يُعيد لينين ورفاقه ترتيب أوراق الثوار ويؤسس مجموعة البلاشفة التي استطاعت أن تحقق نفوذاً وتأييداً شعبياً، نافست فيه نفوذ حكومة القيصر، ويبدأ الجناح العسكري للبلاشفة عمله بقيادة ليون تروتسكي، ويتأسس البوليس السري والذي عُرف بـ «تشيكا»، متحصناً بتصريح بالقتل لكل من يعترض طريق البلاشفة، وباجماع المؤرخين يبقى هذا البوليس السري هو العامل الرئيسي في استمرار البلاشفة وأفكارهم والحفاظ على الدولة السوفياتية لأعوام طوال.
وتدخل البلاد قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام في حروب أهلية، وقد كانت أربع عشرة دولة من الدول الليبرالية وعلى رأسها فرنسا وانكلترا والولايات المتحدة أنزلت قواتها في شمال روسيا مساندة لقوات القيصر، ولكن التنظيم رفيع المستوى الذي ظهر عليه البلاشفة وعدم استعداد وانعدام رغبة الغالبية العظمى من الشعب للعودة الى نظام القياصرة وانضمام رئيس وزراء القيصر للبلاشفة، طلباً للحماية، كلل ثورة البلاشفة بالسيطرة على البلاد، ولتدخل روسيا عصر البلاشفة، معلنة انتهاء عصر القياصرة الروس، وتنسحب القوات الروسية من الحرب العالمية الأولى ويبدأ البلاشفة في تأسيس الدول السوفياتية وفق أفكار ماركس الاشتراكية ويرحل لينين في عام 1924، ويبدأ ستالين في نشر ستار حديدي حول دولة البلاشفة، والتي مازالت أيديولوجيتها هي المحرك الرئيسي لقادة روسيا حتى الآن، وتبدأ مسيرة الاتحاد السوفياتي على بساط السياسة الدولية.
ومن خلال نظرة عابرة للتاريخ الروسي نلاحظ أنه في أكتوبر 1917 نجحت ثورة البلاشفة وولدت معها دولتهم التي ظلت قرابة ثلاثة وسبعين عاماً، روجت خلالها لأيديولوجيتها في شتى أنحاء المعمورة، ومع نهاية القرن العشرين تسقط دولة البلاشفة، ففي أكتوبر 1993 وبعد وابل من قاذفات الدبابات على البيت الأبيض الروسي تلفظ دولة البلاشفة أنفاسها الأخيرة بيد الشعب ذاته الذي حقق لها نجاحاتها وتتكلل ثورة الرئيس يوريس يلتسين بميلاد روسيا جديدة بعيدة عن القياصرة والبلاشفة.
ويشهد أكتوبر 2007 في روسيا بوتين وفي ظل شعبية جارفة لرئيسها رجل المخابرات السابق فلاديمير بوتين، آخر استطلاع للرأي يشير الى أن 80 في المئة من الشعب الروسي يرغب في بقاء بوتين رئيساً للبلاد. يعلن بوتين ميلاد ثورة جديدة، ثورة على الأنظمة السياسية التقليدية المتعارف عليها دولياً، وذلك عندما أعلن قبوله ترؤس قائمة حزب «روسيا الموحدة» خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، ليصبح بذلك أول رئيس دولة يجمع ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فهو على قمة السلطة التنفيذية رئيس للدولة وسيصبح عضو برلمان (ومن الراجح أن يتم انتخابه رئيساً للبرلمان) يملك الحق في حله وفقاً للدستور بحكم رئاسته للدولة.
بوتين رئيس لكل الشعب الروسي بما في ذلك المعارضة، اذ لم تلق ثورته هذه الا تأييداً من الشعب الروسي والنخبة الحاكمة، وبذلك يفتح بوتين الباب أمام تغيير شامل للحياة السياسية والاجتماعية في روسيا، تدعيماً لسياسته وبسطاً لنفوذ فريقه القادم من سان بطرسبورغ، وتأكيداً لنضوج روسيا بوتين التي تختلف تمام الاختلاف عن روسيا البلشفية وروسيا القيصرية.
ويبقى القول ان ثورات روسيا المختلفة ولدت بيد الشعب الروسي ولفظت أنفاسها الأخيرة بيد الشعب ذاته، الأمر الذي يؤكد لنا أن روسيا دولة قابلة لكل الأطروحات السياسية شريطة اكتساب التأييد الشعبي اللازم.