إذا أراد أب أن يمدحه ولده الصغير لحسن تصرفه في موقف ما قال له أنت رجل. وإذا سألت عن شخص وأنت تريد التعامل معه أو تقصده لقضاء حاجة قالوا لك: فلان رجل. وإذا سافرت إلى بلد ووقعت لك مشكلة وتدخل أحدهم لمد يد العون لك وساعدك في حلها، فإنك تثني عليه وتقول «فلان رجل». فكلمة رجل هنا بلا شك لا يقصد منها معنى الذكورة، لأن من المعروف أن ليس كل ذكر رجلاً.
فالرجولة أن تقول الحق لا تخاف في الله لومة لائم، والرجولة الا تبيع ضميرك ولو فرشت الأرض ذهباً تحت أقدامك، والرجولة أن تثبت على الحق وإن تساقط أشباه الرجال من حولك، والرجولة أن تدافع عن حقك المشروع ولو كلفك ذلك حياتك، والرجولة ألا تكون إمعة تدور حيث دار الناس سواء كانوا على الخير أو الشر، والرجولة أن تفي بوعدك دون تهرب أو مماطلة، الرجولة أن ترعى من هم تحت مسؤوليتك فتعاملهم بلين دون ضعف، وبحزم دون قسوة، الرجولة أن تكرم والديك وأن تحسن معاملة زوجتك وأبنائك.
الرجولة أن تعفو عند التمكين عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، الرجولة أن تعترف بخطئك وألا تحمله غيرك، وأن تعتذر لمن أسأت إليه.
لقد أخطأ كثير من الذكور في فهم معنى الرجولة، فظنها البعض بطول شنب، أو بقوة الجسم وتربية العضلات، أو بالاستطالة على الضعفاء وظلمهم وأكل حقوقهم، أو بكسر القوانين والتحايل عليها، كما أعتقد البعض واهماً أن الرجولة في الحديث فخراً عن ممارسة الرذيلة مع المومسات.
وإن كان هؤلاء قد أخطأوا في فهم معنى الرجولة، فهناك صنف آخر قد تنازل عنها طواعية، فترى بعض الذكور في مشيته وهيئته وكلامه وملابسه والعقد الذي في رقبته، والسوار الذي يزين به معصمه، فيتملكك الشعور أنك ترى فتاة لا رجلاً، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافاً من الناس ومنهم المتشبهون من الرجال بالنساء، والشاعر يقول:
وما عجبي أن النساء ترجلت
ولكن تأنيث الرجال عجاب
ويدخل في هذا الصنف أولئك الذين يتراقصون تراقص النساء في الأعراس وفي المجمعات وغيرها من الأماكن فيهزون الأكتاف والأرداف في منظر مقزز تتحسر أن يحمل هؤلاء مسمى رجل.
وبعض الذكور قد يرى الخبث في أهله ولا يحرك ذلك في قلبه شيئاً، وآخرون قد سلموا زمام إدارة البيت للمرأة فأصبحت هي الآمر الناهي، وتركوا لها الحبل على الغارب، فتدخل متى تشاء وتخرج متى تشاء، والذكر الذي في البيت قد قلب الآية القرآنية واقعاً لا لفظاً لتصير... النساء قوامون على الرجال. فيا حيف على الرجال.
مواقف رجولية:
هناك مواقف رجولية اتخذها أناس لا نملك إلا أن نقف لهم احتراماً وتقديراً وسيسطرها لهم التاريخ عبر الأجيال، ومنها موقف معالي رئيس الوزراء بالإنابة وزير الدفاع الشيخ جابر المبارك حين اتخذ القرار الجريء بسحب جنسية التعيس الخبيث الذي لم تتوقف إساءته عند حد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وإنما أساء لأهله وبلده وأبناء طائفته.
ومن المواقف الرجولية موقف الشيخ نزار ريان أحد علماء غزة ومجاهديها، والذي رفض ترك منزله بعد التهديدات الصهيونية بتدمير منزله خلال الحرب الأخيرة على غزة، والتي كان نتيجتها استشهاده مع أكثر من خمسة عشر فرداً من أسرته ليضرب مثالاً على الثبات على الحق.
ومن منا ينسى المواقف الرجولية لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، سواء موقفه في «مؤتمر دافوس» أو إصراره على تقديم الصهاينة الاعتذار بعد إساءتهم للسفير التركي لدى دولة الاحتلال، أو موقفه الأخير من الاعتداءات الإسرائيلية على أسطول الحرية.
وأما أطفال غزة فبشجاعتهم وبسالتهم وتحديهم للصهاينة، علموا أفراد السلطة الفلسطينية المنبطحة للصهاينة معنى الرجولة والشجاعة والإقدام. يقول نزار قباني:
يا تلاميذ غزة علمونا
بعض ما عندكم فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالاً
فلدينا الرجال صاروا عجيناً
عبدالعزيز صباح الفضلي
alfadli-a@hotmail.com