علي الرز / اعتذر يا شيخ سعد!

تصغير
تكبير
| علي الرز |

بعد المقابلة الشهيرة التي ميزت بين المعطيات القانونية وبين الاتهام السياسي، ضغط احدهم زر التفجير فانطلقت الصواعق داعية رئيس الحكومة الشيخ سعد الحريري الى الاعتذار. كل يغني على ماضيه، وكل تسبق ممارساته على الارض تصريحاته.

حسنا، فتح النظام الامني السابق «ملف التعويضات» مستهلا مطالبه بالاعتذار... والا فالحقوق ستؤخذ، باليد باللسان بالقلب، بأقوى الايمان (اذا وجد) او باضعفه، والمتصفح لصفحات هؤلاء، النقية البيضاء، لا يمكنه الا التعاطف معهم والانضمام اليهم في دعوة الشيخ سعد الحريري الى الاعتذار فما حصل في السنوات الخمس الماضية كفيل بانهاء دول لا بتوليد آلام فحسب.

اعتذر يا شيخ سعد اولا عن مطالبتك بالحقيقة لمعرفة من خطط ونفذ جرائم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه اضافة الى الشهداء الاحياء، واعتذر عن كل دمعة ذرفتها واهل بيت الشهيد وانصار الشهيد بل كل دمعة ذرفها اي لبناني لانك ومن موقع مسؤولياتك يجب ان تدرك ان تغيير قواعد اللعبة مكلف جدا في بلد شرق اوسطي... وقواعد اللعبة يا دولة الرئيس تقول ان الناس في الاغتيالات السياسية تاريخيا تمشي مع القاتل، خوفا او حبا، ولا تمشي مع القتيل، ثم ان العزاء في لبنان تحديدا يستمر 40 يوما في حده الاقصى واياما ثلاثة في حده الادنى، وما حصل بعد اغتيال رفيق الحريري كسر هذه القاعدة وخالف توقعات المخططين والمنفذين الذين برروا لـ «كبارهم» تعاطف الناس ومطالبتهم بالحقيقة بانه جزء من «مؤامرة دولية».

واعتذر يا شيخ سعد عن تمسكك بالوحدة الوطنية ونهج الحوار والتوافق وسقف اتفاق الطائف والعلاقات المؤسساتية من دولة الى دولة بين لبنان وسورية، واعتذر عن ايمانك بالعروبة الحضارية وقضايا العرب وفي طليعتها قضية فلسطين، واعتذر عن دفاعك عن سلاح المقاومة في لبنان وطلبك من كل المرجعيات الدولية التي التقيتها سحب موضوع هذا السلاح من التداول لانه يبحث في اطاره الحواري اللبناني، واعتذر عن عدم تأسيسك ميليشيا، واعتذر عن ايمانك بالدولة مشروعا وهدفا وطريقا الى حل مختلف الاشكالات... فكل هذه الامور تخالف تماما ما رسم لمرحلة ما بعد استشهاد رفيق الحريري، لان الاغتيال لا يكتمل الا بالحرب الداخلية والخطاب الطائفي والعنصري والانعزالي وانهيار مشروع الدولة.

واذا كانت اعتذاراتك السابقة نوعا من «التقية» السياسية لدى البعض او «شعارات عاطفية» لدى البعض الآخر، فلا بأس اذا من اعتذارات «واقعية».

اعتذر يا شيخ سعد لاحتلالك وسط بيروت الذي اعاد والدك اطلاقه من رماد الحرائق وركام الحروب واطلال الدمار. واعتذر للدور الذي لعبته في ضرب حكومة الوحدة الوطنية سابقا وايعازك كل خمس دقائق للوزراء السنة بالانسحاب لافقاد الحكومة ميثاقيتها، واعتذر لاعتصامك بحبل الفتنة لاشهر مطوقا مقر رئاسة الوزراء هاتفا ليل نهار بكل ما يسيء الى الوحدة والتوافق. واعتذر لارسالك ميليشيا المستقبل هاتفة: «يا سنيورة ويا (...) السنة نزلوا عبيروت»، واعتذر لانك ساهمت في اغلاق عشرات المتاجر والمؤسسات وتعطيل المصالح وحرمان المئات والآلاف من اسواق العمل ودفعهم الى الوقوف في طوابير البحث عن فيزا وحد ادنى من العيش الكريم.

واعتذر يا شيخ سعد عن 7 أيار، اليوم المجيد، وعن غزو 12 الف مقاتل دربتهم في الاردن (ألا تذكر) العاصمة وشوارعها ومحاصرة مقار رموز البلد بالقذائف الصاروخية اضافة الى حرق المؤسسات الاعلامية وتدمير المكاتب والمنازل وقتل المدنيين وجرح العشرات، واعتذر عن اصرارك في الدوحة على القبول بتسوية نقلت التعطيل من الشارع الى الحكومة.

واعتذر يا شيخ سعد عن ارسالك المقاتلين الى هذه الدولة العربية او تلك، وعن اساءات «جماعتك» لكل دور عربي بناء هدفه امن واستقرار ووحدة البلد، وعن عدم قدرتك على السيطرة على مسلحيك الذين يحرقون العاصمة وشوارعها وبعض مساجدها لخلاف على موقف سيارة او يقتحمون حرم المطار في استعراض تمردي علني، واعتذر اكثر لاستخدامك لغة «السكاكين» تجاه كل من طالب بعاصمة منزوعة السلاح، واعتذر اكثر واكثر لاستخدامك لغة «الصرامي» في كل موضوع يتعلق بالمحكمة الدولية وعمل المؤسسات والسلطات الرئيسية في لبنان.

والاهم من ذلك كله اعتذر لانك تهدد اللبنانيين بـ«مستقبل» يختلف عن حاضرهم الوطني اللاطائفي المتقدم اقتصاديا وعلميا وسياسيا واجتماعيا.

اعتذر يا شيخ... اعتذر!





alirooz@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي