عندما يخاف الطفل من شيء يؤذيه سواء كان انساناً أو حيواناً، فان أول انسان يلجأ اليه هو الأب، لاعتقاده بأنه أولى الناس في حمايته والدفاع عنه، وليقينه بأن شجاعة الأب ستحول دون تعرضه للأذى. هذا الاعتقاد، وان كان مخالفاً للحقيقة في بعض الأحيان، يدفع الكثير من الآباء الى الابقاء على هذه الصورة الجميلة في أذهان أبنائهم، حتى وان ترتب على ذلك تعرضهم للسوء، والذي قد يصل الى فقدهم لحياتهم.
أتذكر حادثة قديمة، تعرضت فيها فتاة صغيرة في حديقة الحيوان الى هجوم من أحد النمور، والذي حاول سحبها بمخالبه الى داخل القفص، الا أن عاطفة أم الفتاة جعلتها تنطلق وبلا شعور لتعض يد النمر وتخلص ابنتها من مخالبه.
الشعوب العربية هي كالطفل، تعتقد أن حكوماتها كالأب الذي تحتمي به عند الشدائد ليدافع عنها وعن حقوقها، ويقف سداً منيعاً أمام أعدائها، الا أن الواقع يشير في الغالب الى أن ذلك الأب غالباً ما يخيب ظن أبنائه فيه، بل وتؤكد الأيام على استعداد ذلك الأب الجبان الى التضحية بهم من أجل المحافظة على بقائه.
لقد سقطت أجزاء من فلسطين تحت الاحتلال الاسرائيلي عام 48، وتم احتلال القدس والأقصى وكامل فلسطين عام 67، وكان من نتائج ذلك الاحتلال تشريد الآلاف من الفلسطينيين خارج وطنهم، خرجوا وهم يعتقدون بأن تشردهم في الخارج لن يطول على اعتبار أن الجامعة العربية ستكون لها وقفتها في الدفاع عن حقوقهم واسترداد اراضيهم، وبأن «منظمة التحرير الفلسطينية»، والتي اعتبرها العرب الممثل الشرعي للفلسطينيين، ستبقى حاملة للسلاح رافعة لواء الكفاح حتى تحرير آخر شبر من فلسطين.
الا أن الشعب الفلسطيني بدأ يكتشف يوماً بعد آخر أنه انما كان يجري وراء سراب، وأن الحصن الذي احتمي به أوهن من بيت العنكبوت، وأن من كان يعتقد أنه أبوه قد تحول الى زوج أم تخلى عنهم، وأصبح مستعداً للتنازل عن حمايتهم من أجل الحصول على بعض الفتات الذي يلقيه اليه أعداؤه.
وأكبر دليل على ذلك هرولة السلطة الفلسطينية نحو مفاوضات الاستسلام ولو كان هناك 1 في المئة من فرصة للسلام، في الوقت الذي يؤكد فيه (النتن ياهو) على الاستمرار في بناء المستوطنات، وبوجوب اعتراف العرب بيهودية اسرائيل، وبالتخلي عن المطالبة بحق اللاجئين في العودة الى أراضيهم.
ملكة الجمال... وأكبر قطيفة
بين فترة وأخرى تكشف لنا السلطة الفلسطينية عن وجهها القبيح، وبأنها لا يمكن أبداً أن تكون مثالاً للأب الذي يرعى أبناءه أو الأم التي تتجرع المرارة لمصاب أولادها، اذ مع بداية العام الحالي سمحت السلطة الفلسطينية باقامة أول مسابقة لملكة جمال فلسطين، الا أنها اضطرت لالغائها بعد المعارضة الشديدة التي واجهتها من قبل أطياف المجتمع الفلسطيني باعتبارها تتعارض مع عاداتهم ودينهم، وكيف يسمحون باقامتها وصور أشلاء الشهداء والجرحى ما تزال عالقة في أذهانهم، وما كاد الفلسطينيون يفيقون من هذه الصدمة حتى خرجت لهم حكومة الضفة بمفاجأة أخرى حيث رعى سلام فياض تدشين أكبر رغيف مسخن في العالم، واعتبر ذلك مفخرة للفلسطينيين، ولم تحرك مشاعر الانسانية فيه ما يتعرض له اخوانه وأبناء جلدته في قطاع غزة من جوع ومرض وبؤس بسبب الحصار الظالم المفروض عليهم منذ أربعة أعوام، فأين هو وسلطته من قول الرسول عليه الصلاة والسلام «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم»، بل مما يثير العجب أن يتكرر السيناريو مرة أخرى وفي رمضان من خلال الاعلان في الضفة عن الانتهاء من اعداد أكبر حبة قطايف ستدخل في كتاب «غينتس» للأرقام القياسية، والتي تحدث أحد المنظمين عن أن تكلفة اعدادها قد تجاوزت العشرة آلاف دولار، في الوقت الذي تنقطع فيه الكهرباء عن قطاع غزة بسبب تقاعس السلطة عن دفع ثمن الوقود لمولدات الكهرباء، فهل هذه سلطة تصلح لرعاية حقوق شعب؟ ولكن صدق من قال اذا لم تستح فاصنع ما شئت.
عبدالعزيز صباح الفضلي
Alfadli-a@hotmail.com