الدستور في جيبك والمسطرة في يدك

تصغير
تكبير
كعادتها في كل شهر مبارك، تفيض كلمة صاحب السمو بركة ابوية لجهة مضامينها ودعواتها الى احكام الدين والعقل والضمير في كل ما يهم بلدنا وامنه واستقراره وتقدم ابنائه. وكعادته في كل نطق سامٍ، يذكر امير البلاد بوجوب التصدي لكل الامور السلبية التي تضرب عميقا في النفوس وفي الادارة وفي النظام العام.

ولكن... لماذا يكرر سمو الامير تحذيراته من الفتن ودعواته الى احترام النظام العام والقانون؟ الجواب بكل بساطة: لأن احتمالات حصول الفتن ما زالت قائمة، ولان الالتفاف على النظام العام والقانون ما زال قائما.

كم كبير من المرارة تشعر به وانت تستمع بدقة الى كلمات صاحب السمو، فما بين السطور اكثر من عتاب.

القانون ينتهك؟ نعم ينتهك. محاولات الفتن مستمرة؟ صحيح والجميع يشعر بها. التخبط في الادارة قائم؟ نظرة سريعة الى مجموعة القرارات الاخيرة تكشف الاجابة... لكن السؤال الاهم من ذلك كله هو : من المسؤول؟

وزراء كثيرون يجيبون عن السؤال بتوجيه اصابع الاتهام الى اعضاء مجلس الامة على اساس انهم يعطلون الكثير من المشاريع ويشلون الحياة العامة ويمنعون الانجازات من خلال استجواباتهم المتكررة والتصعيد السياسي الذي غالبا ما ينتقل الى الشارع. وهذا «اصطياد» في غير محله ومحاولة من هذا الوزير او ذاك لاستغلال تبرم الناس من الاداء التشريعي الذي لا يرقى الى مستوى الطموح وتحميل بعض الاعضاء مسؤولية الازمات.

النواب ايها السادة الوزراء وظيفتهم التشريع والرقابة، اما السلطة التنفيذية فمناطة بالحكومة. ومهما بالغ بعض الاعضاء في «شخصنة» المواضيع والامور وتفجير قضايا عامة لاهداف خاصة فان السجال يبقى في نطاق معين ومكشوف.

والناخبون هم الذين يحاسبون نوابهم كل اربع سنوات فيعيدون تجديد الثقة فيهم او يحجبونها، خصوصا اذا كانت «اهدافهم الخاصة» محل رعاية حكومية من قبل هذا الوزير او ذاك، فالصفقات تعقد بين طرفين او اكثر لكننا لن نجد نائبا يعقد صفقة مع نفسه.

الناخب يحاسب النائب اما الوزير فمن يحاسبه؟

الكويت دولة قانون ومؤسسات وهو امر يمكننا ان نتباهى به ونعتبره ركنا اساسيا من اركان التقدم والتنمية. ومع ذلك فكلما سئل وزير (وفي الطليعة وزير الاعلام) عن سبب عدم تدارك هذا الامر او ذاك يجيب ان العلة في القانون وان القانون يجب ان يعدل «وعندها يمكنك محاسبتي». لا يا سيدي، العلة في عدم تطبيق القانون وفي الطريقة التي تدار بها الامور وفي الفساد المعشش في الوزارات وفي الخوف من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب... وفي وزراء الظل الذين يديرون الوزارة فعليا فيما الوزراء المعلنون شكليون.

في الاعلام، في الرياضة، في الكهرباء، في الشؤون والعمل، في التربية، في الصحة... في كل الوزارات. نجد نهجين لا ثالث لهما. النهج الاول غياب الوزير عن التفاصيل او تغطيته للاخطاء بقصد او بغير قصد او محدودية قدرته على الادارة والابداع بموجب القانون. والنهج الثاني محاصرة الوزير بكل انواع القيود والضغوط والواسطات والتمنيات وترك ظهره مكشوفا امام هجمات نواب ومسؤولين ان هو اصر على التمسك بالقانون «وليكن ما يكون».

اصحاب النهج الاول اصغر من الكرسي الوزاري ولو اعتقدوا ان منظومة كبيرة تدعمهم تضم مؤسسات اعلامية وتحالفا بين شيوخ ونواب ومسوقي مشاريع وصفقات، واصحاب النهج الثاني اكبر من الكرسي الوزاري ولذلك هم يرفعونه ولا يرفعهم. ألم نشهد في «الاعلام» فتنة طائفية كادت ان تمتد الى الشارع بسبب عدم تطبيق القانون؟ ألم نشهد في الرياضة ضغوطا ضخمة لثني الوزير المعني عن تطبيق القانون؟ ألم نشهد نائبا اعتدى على وزير الصحة لانه اصر على تطبيق القانون؟ ألا توجد علاقة بين متجاوزي القانون من جهة والمعتدين على الوزراء المطبقين للقانون من جهة اخرى؟ نماذج كثيرة لا تعد ولا تحصى لكنها تحدد اماكن الخلل ومكامن العتاب في كلمات سمو الامير الذي يطلق رغبات باتخاذ حلول معينة على طريق تطبيق القانون... فلا تحترم رغبته السامية ولا تسلم القوانين من الانتهاك.

الكويتيون باتوا يعرفون اعضاء المنظومة الاشبه بـ«المافيا» والتي يتباهى افرادها بأنهم فوق القانون وانهم قادرون على إشعال الحرائق... من ميادين الرياضة الى التجارة، مرورا بكل ما يسيء الى الوحدة الوطنية والتماسك المجتمعي. فهل يوقفهم عند حدهم من يفترض انه يعرفهم اكثر من اي كويتي آخر.

النائب يحكمه القانون ويحاسبه الناخب. والوزير يحكمه القانون فمن يحاسبه؟ الاجابة عن هذا السؤال يا سمو الرئيس هي البداية الحقيقية للتغيير، فمن لم يحاسبه بيته الحكومي فلن يحاسبه بيته النيابي لظروف كثيرة لا داعي لتكرارها. واذا كان سمو الامير اكد ان القانون يجب ان ينفذ على الكبير قبل الصغير، وعلى ابناء الاسرة قبل غيرهم لانهم يجب ان يكونوا قدوة، وعلى كل مخالف مهما كان انتماؤه ومنصبه وموقعه السياسي. فهو رفع الغطاء عمن كانوا يعتقدون انهم تحت المظلة واطلق يدكم يا سمو الرئيس في اتخاذ ما ترونه واجبا لاحترام الرغبة... والقانون.

في جيبكم الدستور وفي يدكم مسطرة ديوان المحاسبة... يبقى القرار.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي