خلق الله عز وجل الناس وهم مختلفون في أفكارهم ومعتقداتهم، كما جعل الله سبحانه وتعالى مسألة التنافس والتحدي من سنن الحياة، ولذلك وجد الخلاف والخصام. إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام حذر من خلق سيئ يقع فيه بعض المتخاصمين ألا وهو الفجور في الخصومة، بل وعده من علامات النفاق.
والمتدينون جزء من هذا المجتمع لهم حسناتهم وأخطاؤهم، إلا أن من الفجور في الخصومة معهم نسبة كل أشكال التخلف أو الانحراف في المجتمع إلى المتدينين والملتحين، وهذا ما دأب أحد الكتاب على اتهام الملتحين به، حيث ألقى باللائمة عليهم في زيادة ظاهرة الجنوس، والبويات، وانتشار الجريمة والمخدرات، وأن الكويت لم تعرف هذه الزيادة إلا بعد انتشار الملتحين ولجانهم، ولا أدري لماذا يتعامى الكاتب عن الأسباب الرئيسة وراء ذلك الانحراف أو تلك الجرائم، ألم يقرأ أو يطلع على تلك الدراسات التي تشير إلى أن ما تقدمه وسائل الإعلام من الأفلام البوليسية والعنف كان لها الدور الكبير في انتشار الجريمة، ألا يدرك أُثر التطور في وسائل الإعلام المفتوح الذي يتيح لأي إنسان مشاهدة ما يريد من سلوكيات منحرفة بعيداً عن أعين الرقابة وما لهذه المشاهدات من سلبيات تؤثر على الأخلاقيات والسلوك، هل ينسى الكاتب الضغوط العالمية والتي تدعو إلى مزيد من الانفتاح والتحرر من القيود والأعراف والتقاليد، حتى وصل الأمر إلى تشجيع الزواج بين الشواذ، ويلطفون مسماه فيقولون الزواج بين المثليين، هل يمكن أن يتجاهل تلك الضغوط المطالبة بتغيير المناهج، وبتقليل الحصص الدينية واستبدالها بحصص الفنون كالموسيقى وغيرها، هل يتغافل الكاتب عن الإهمال والتقصير عند الكثير من الآباء والأمهات في تربية أبنائهم وبناتهم بسبب كثرة انشغالاتهم وعدم استشعارهم لعظم المسؤولية، أليس من الواضح وجود خلل في المؤسسات التعليمية في مواجهة الانحرافات السلوكية لدى المتعلمين وإيجاد أنجع السبل لعلاجها.
إن من الثوابت الدينية أن أحد أسباب حفظ المجتمعات من نزول العقوبة بها هو وجود الدعاة والمصلحين، وقد دل على ذلك قول الله تعالى «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» هود.
ألا تتساءلون عن السبب الذي يدفع الكثير من الأباء والأمهات، حتى من غير المتدينين، إلى إلحاق وتسجيل أبنائهم في المراكز والأندية التي تديرها جمعيات النفع العام كالإصلاح والتراث وغيرها، فهل يعقل أن يذهب أولياء الأمور بفلذات أكبادهم لمن يتسبب في تدمير أخلاقهم؟
أعتقد أن من الإنصاف القول انه لولا لطف الله تعالى ثم وجود هؤلاء المتدينين المصلحين في المجتمع لكان الوضع أكثر سوءا والصورة أشد قتامة.
إن لجمعيات النفع العام أدواراً جليلة في المحافظة على تماسك المجتمع والمحافظة على أخلاقياته، فلديها اللجان المتخصصة في توجيه النشء ورعايتهم، وأسست لجاناً تهتم بالمشاكل الأسرية وإصلاح ذات البين، كما أنشأت لجاناً لعلاج مدمني المخدرات إيمانياً وتربوياً، وكونت لجاناً لرعاية أسر السجناء، ولديها العديد من اللجان الخيرية والتي تسعى لرفع المعاناة عن المحتاجين وتحقيق التكافل الاجتماعي، كما أنها تقوم بالعديد من الحملات القيمية والتي لها أثرها الواضح في علاج الكثير من الظواهر السلبية، والتي شهد بأثرها ومكانتها القاصي والداني، بل وقامت بعض الدول العربية بالاستعانة بها وتكرار تجربتها وفي مقدمها (مشروع ركاز لتعزيز الأخلاق).
فهل بعد هذا كله نتهم اللجان والملتحين بأنهم من أكبرأسباب الانحدار الأخلاقي. فيا خصوم اللحى قليل من الإنصاف يرحمكم الله، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com