القصة أكبر من «باتريوت»

تصغير
تكبير
ماما اميركا ستبيعنا صواريخ باتريوت. الف شكر للأم الحنون التي لا تنسى حليفتها الكويت.

ولكن لماذا ستبيعنا اميركا الـ«باتريوت»؟ لتطوير منظومة الدفاع الصاروخي الكويتي؟ لتعويض دين مالي عليها لا تستطيع تسديده الا من خلال قطع عسكرية؟ لتشغيل مصانعها الحربية في إنتاج صواريخ اكثر تطورا بعد إفراغ مستودعاتها من «الستوك»؟

أسئلة غريبة لكن الاجابات واضحة تماما في مكان آخر... ولو اعطى المسؤولون الاميركيون والكويتيون ألف تبرير لصفقة «باتريوت». هذه الصواريخ جزء من خطة المواجهة الغربية مع ايران ودورها واحد لا ثاني له: التصدي للصواريخ الايرانية التي قد تنطلق باتجاه القواعد الاميركية في الكويت او غيرها اذا توسع نطاق الحرب الى اكثر من عملية خاطفة تستهدف المنشآت النووية.

بهذا المعنى، ماما اميركا ليست الام الحنون بل الام التي تتصرف وفق مصالحها ولو دفع اولادها الثمن، فالآباء يأكلون الحصرم والابناء يضرسون... على هدير حرب شعارها حماية الامن والاستقرار في المنطقة.

تذكروا كيف كان الكونغرس يضع عقبات وعراقيل امام تزويد دول عربية واسلامية بأي نوع من انواع الاسلحة الاستراتيجية، وتذكروا كيف كان الكونغرس نفسه يتراجع عن اعتراضاته اذا ما اتضح ان طريق السلاح دخل منطقة المصالح الاميركية في الأمن والسياسة والاقتصاد... منذ يومين فقط تناقلت وكالات الانباء خبرا مفاده ان وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك «وافق» (لاحظوا انه هو الذي وافق) للجيش الإسرائيلي على شراء طائرات حربية أميركية من طراز «ا ف - 35» الاكثر تطورا في العالم على ان تسدد إسرائيل قيمتها خلال 10 أعوام من حساب المساعدة الأميركية السنوية جزئياً، من اجل الاستمرار في السيطرة الجوية في الشرق الاوسط.

ماما اميركا تحب اسرائيل وتعطف على اسرائيل وتساند اسرائيل وتدعم اسرائيل وتفتح مستودعاتها العسكرية للجيش الاسرائيلي وتنتظر موافقته على الشراء بفارغ الصبر ثم تدفع هي الثمن بالتقسيط المريح باستقطاعات من المساعدات السنوية... اما نحن فنحصل على اسلحة مضادة للصواريخ ان كانت مصلحة اميركا تقتضي ذلك، وصواريخ مضادة للطائرات واخرى مضادة للدبابات والمركبات وقريبا سنسمع عن صواريخ مضادة للغواصات. منظومة متكاملة مفصلة على قياس «الخطر الايراني» ووفق التخطيط الاميركي بالتصعيد التدريجي. ونعتقد ان الدفع «كاش» او بـ«الآجل» مع فوائد كبيرة.

بعد الذي حصل عام 1990 لا بد ان تطور الكويت منظومتها الدفاعية، انما وفقا لحاجاتها لا لاتجاهات الريح الاميركية، كما يجب ان تتعدد مصادر التسلح وفق المصالح العليا للدولة وبشكل ينسجم مع متطلبات قواتنا المسلحة في الدفاع والداخلية والحرس الوطني والاجهزة الامنية. صحيح اننا في عين العاصفة وجزء لا يتجزأ من المنطقة، وصحيح ان النار قد تطولنا حارقة او خانقة، لكن الصحيح ايضا ان «مصالحنا اولا» هي التي تملي علينا شكل علاقاتنا الخارجية، وان تطوير قدراتنا الدفاعية يجب ان يكون عملا دائما ومستمرا بهدوء وصمت لا مبرمجا على «التوقيت الاميركي» والاعلام الاميركي الذي ربط بين حصولنا على الـ«باتريوت» بالمواجهة المقبلة مع ايران.

لا نضحك على انفسنا او ندفن رأسنا في الارض كالنعام، فللكويتيين حق المعرفة بمسار الامور او عناوين المرحلة المقبلة على الاقل. هل تتجه الامور الى التصعيد اكثر بعد تشديد العقوبات على ايران؟ هل سيطلب من الكويت ودول الخليج وقف تزويد الطائرات الايرانية المدنية بالوقود الا بنسبة ضئيلة؟ هل ستلتزم كل دول المنطقة بتجميد الاصول والحسابات وملاحقة مطلوبين؟ هل هناك تحضيرات عسكرية تبنى على قدم وساق لتوجيه ضربات خاطفة او الدخول في حرب مفتوحة؟ هل نملك استراتيجية واضحة للتعامل مع حرب كهذه خصوصا اذا نفذت السلطات الايرانية تهديداتها بالرد على كل القواعد الغربية في المنطقة (ولدينا اكثر من واحدة في الكويت) او اغلقت مضيق هرمز؟ هل يعرف الكويتيون والخليجيون والاميركيون ان الكويت اقرب الى مفاعل بوشهر من طهران؟ وهل تملك حكومتنا خطة سياسية واعلامية وامنية للنأي بالداخل الكويتي عن اي تطورات اقليمية... خصوصا ان غربان الفتن صدحت بما يكفي على جراح الوحدة الوطنية؟

القصة أبعد من «باتريوت»، وما الـ«باتريوت» سوى رأس جبل الجليد الظاهر في مياه قد تتحول الى بحر من نار...

... انها الجغرافيا وقساوتها.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي