المتابع للحراك السياسي والصراع الفكري وخاصة عبر وسائل الإعلام المختلفة، يتضح له لجوء بعض هذه المؤسسات إلى صياغة الأخبار وعرض التحليلات بصورة تضع خصومها أو مخالفيها في دائرة الاتهام، وتقوم بطرح مجموعة من الشبه دون دليل أو برهان، مما يوقع أصحابها بعد انكشاف الحقيقة في دائرة (إن جاءكم فاسق بنبأ).
إن اتهام الآخر أياً كان مذهبه، أو ملته، أو جنسه، أو حتى دينه، لمجرد الظنون لهو من الظلم والبهتان.
وإن من المؤسسات التي لم تسلم من التجني والافتراء، وتلفيق التهم لها اللجان الخيرية، هذه اللجان التي شهد القاصي والداني بنزاهتها وبعدها عن دعم أي شكل من أشكال التطرف، أو عملها في مجالات غير التي تأسست من أجلها.
إلا أن خصوم العمل الخيري لديهم اسطوانة مشروخة يرددونها دائماً وهي استخدام أموال الصدقات في دعم مرشحي الحركات الاسلامية في الانتخابات، ولأنهم لا يملكون أي دليل فإنك توقن بأنها مجرد ظنون وأوهام أملتها عليهم خصوماتهم السياسية والفكرية.
ومما يؤسف له أن مسلسل الكذب والافتراء على المؤسسات الخيرية تزداد وتيرته في شهر رمضان، فالأجواء الإيمانية تشجع كثيرا من الناس إلى إخراج زكواتهم، وتكون عاملاً محفزاً للعديد من المحسنين والمحسنات إلى تبني وكفالة المشاريع الخيرية، إلا أن البعض ممن لا يعجبه هذا الإقبال على الخير، يقوم بالتنقيب عن الأخطاء ومن ثم يعمد إلى تضخيمها، ويبحث عن أي أنشطة أو مشاريع لهذه المؤسسات، ويبدأ في نسج خيوط التشكيك حولها، وتوجيه الاتهامات لها ليختم في النهاية بحكم الإدانة عليها، ثم يعمد إلى تحريض الحكومة للمسارعة في معاقبتها بناء على تحليلاته واستنتاجاته السقيمة.
وللتدليل على ذلك اذكر خبراً قرأته قبل أيام في إحدى الصحف وفي الصفحة الأولى، قام المحرر الصحافي بصياغته بأسلوب تحريضي واضح قائلاً بالنص: (في محاولة للتواري عن أنظار مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والبعد عن رقابتها على العمل الخيري وخرق حظر القرارات التنظيمية للعمل الخيري...) ثم ذكر الأسلوب الذي اتبعته إحدى اللجان عبر الانترنت في مراسلة المتبرعين والتواصل معهم، ليكمل قائلاً (في محاولة لجمع التبرعات بطريقة غير مشروعة...) والغريب في المحرر أنه يناقض نفسه حيث استكمل بقية الخبر في صفحة داخلية بأنه وبعد سؤال مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عن مدى قانونية جمع التبرعات بهذه الطريقة أفاده المسؤول أنه لا يوجد نص قانوني يمنع جمع التبرعات بهذه الأسلوب! فطالما أن المسؤول ذكر أنه لا توجد مخالفة قانونية فلماذا التجني والاتهام؟ أما يشعر ذلك المحرر بتأنيب الضمير، أما يخشى من أن ينطبق عليه قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
رحيل البغدادي:
رحل البغدادي عن دنيانا بعد حياة مليئة بالصراعات الفكرية والدينية، وهو الآن بين يدي أرحم الراحمين، ولقد كانت له آراء جريئة رأى مخالفوه أنها مست كثيراً ثوابت الدين، وأنه إن لم يكن قد رجع عنها فلربما عرضته لغضب الله وسخطه، ومصير الإنسان بعد وفاته لايمكن لأي مخلوق تحديده لأن علم ذلك عند علام الغيوب، إلا أنني آمل ممن يكتبون في تمجيد البغدادي والثناء على ما مضى من كتاباته وأفكاره، كقول أحدهم الفارس الليبرالي الشجاع، وقول آخر: رحل البغدادي عن عمر قصير لم يكمل من خلاله مشروعه العلماني الكبير. والمعلوم أن العلمانية تتنافى مع الإسلام، حيث تدعو إلى فصل الدين عن الدولة. فأتمنى أن يتركوا الرجل على ما قدم، والا يتسببوا، دون أن يشعروا، في تحميل صاحبهم أوزاراً هو في غنى عنها فلقد أخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن الميت يعذب بنياحة أهله عليه، قال أهل العلم إذا كان الميت يرضى بذلك، فأوقفوا نياحتكم، فالميت تتكشف له الحقيقة بعد وفاته، وأعتقد أن البغدادي لو عاد لدنيانا مرة أخرى لتبرأ من أفكاره ولكفر بمعظم آرائه.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com