في رمضان يشم الناس رائحة الدين، ويتذوقون حلاوة الإيمان، فتراهم مقبلين على الطاعات فهم بين راكع أو ساجد، وبين قارئ للقرآن، أو متهجد بين يدي الرحمن، يعينهم في ذلك تصفيد الله تعالى لمردة الجن من الشياطين بالسلاسل والأغلال.
إلا أن المتابع للأخبار والمطلع على واقع الحال يجد أن هناك نوعاً آخر من الأبالسة لم تقيدهم السلاسل ولم تحد من خطرهم الأغلال فهم من جنس آخر لم يخلقوا من نار إنما هم من جنس بني الإنسان، أولئك الذين يتعوذ الشيطان من مكرهم، ويعتبر نفسه تلميذا في مدرستهم يصدق فيهم قول الخوارزمي:
وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى
بي الحال حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسن بعده
طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
فقد نشرت الصحف قبل أيام قليلة عن إحباط رجال الجمارك وبالتنسيق مع وزارة الداخلية محاولة تهريب 37844 زجاجة خمر قدر ثمنها بالمليوني دينار، وهي من أكبر عمليات التهريب التي تم إحباطها.
والمعروف عادة أن الناس تستعد لرمضان بجلب قناني الفيمتو وشراب عصير السنكويك لكن الجماعة يبدو أنهم لا يستمتعون إلا بأم الخبائث، والتي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم «لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها».
في المغرب هناك حركة أطلقت على نفسها اسم «حركة مالي» نسبة إلى الأحرف الأولى لاسم حركتهم باللغة الفرنسية، يدعي أصحابها أنهم يسعون إلى تحقيق الحرية الفردية للإنسان وتخليصه من جميع القيود، قامت هذه الحركة العام الماضي بالدعوة إلى تنظيم إفطار علني وجماعي في رمضان، وقبل أن تحسن الظن عزيزي القارئ وتعتقد أنه مشروع إفطار صائم، فإن الدعوة كانت للإفطار في نهار رمضان وقرب إحدى محطات القطار للتعبير عن احتجاجهم على مادة في قانون الجزاء المغربي تنص على السجن أو الغرامة لكل من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان، إنها حقاً لدعوة إبليسية ربما لم يتجرأ على طرحها حتى غير المسلمين، قال تعالى «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون».
وزارة الأوقاف في الكويت تعلن عن منع جمع التبرعات في المساجد في رمضان، فتغني إحدى النائبات طرباً، وتثني على القرار فرحاً، فتمتدح متخذيه، وتحذر مخالفيه، فيخيب الله رجاءها، وتتراجع الوزارة عن قرارها، ونقول لها ألم يكن السكوت أولى لك، وأحفظ لماء وجهك.
تتنافس كثير من المحطات الفضائية على جلب المشاهدين لها في شهر رمضان، ولكن للأسف أن ميدان التنافس يكون على حساب القيم والأخلاق، فكثير من المسلسلات والبرامج تعتمد على التكشف وإظهار الأجساد والمفاتن، وتحرك الغرائز من خلال قصص الحب والعلاقات الغرامية، وتحرض على التحرر من سلطة الأسرة وأعراف المجتمع، والله تعالى يقول «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون». فكيف إذا كانت الدعوة للمنكر في هذا الشهر الفضيل.
أيها السادة إن منزلة رمضان عالية ومكانة جليلة، فيه ينادي مناد من قبل الرحمن: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. فيا من تغلبتم على الشيطان في مكره، ونافستم ابليس في خبثه، إنها دعوة صادقة للعودة إلى الله، فأقصروا شركم وأريحوا عباد الله من إفسادكم، واعلموا أنه من تاب إلى الله، غفر له ما فات، ووفقه في ما هو آت. فكونوا في ركب من قال الله تعالى فيهم «إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً». تقبل الله صيامكم، وختم بالصالحات أعمالكم.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@ hotmail.com