عند تسديد ركلة بظاهر قدمك لمؤخرة إنسان آخر فهي حركة يسميها المصريون (شلوت)، ونسميها في الكويت (فنقر)، وعند السوريين (لبطة)، والعراقيون يقولون (جلاقي)، وعند الانكليز (akick in the butt).
وللشلوت استخدامات عدة، منها ما يكون للهجوم وأحياناً للدفاع، ومنها ما يستخدم للتأديب أو التعذيب وما أكثره في عالمنا العربي، وقد يستخدمها البعض عند المزاح.
أتحدث عن «الشلوت» لأنه ما زال بعض محترفي الاستهزاء والسخرية يشمتون بين فترة وأخرى من الأبطال المشاركين في «أسطول الحرية» بسبب ما لاقوه من إساءة وأذى خلال رحلتهم لفك الحصار عن غزة، والإهانات التي تعرضوا لها بعد سيطرة الصهاينة على السفينة ومنها (الشلوت) الذي تلقاه بعضهم، وأود أن أذكر هؤلاء الشامتين بحقيقة ربما غفلوا عنها، أو ربما تعمدوا نسيانها، ألا وهي أن كل من تعرض لأذى أو إهانة في سبيل الله عز وجل، فإن الله تعالى يكرمه فيعلي شأنه ويرفع قدره، ويخلد ذكره.
فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كم تعرض لأنواع من الإساءة والأذى ومحاولات للنيل من مكانته ومنزلته، سواء من أهل الطائف الذين سلطوا غلمانهم وعبيدهم فرموه بالحجارة وأدموا قدميه الشريفتين، أو من جهة أهل مكة الذين ألقى بعضهم أمعاء الجزور وكرشها عليه وهو يصلي، أو عقبة بن أبي معيط الذي وطأ بقدمه رأس الرسول عليه الصلاة والسلام الشريف وهو ساجد عند الكعبة، ومع كل ذلك لم تزد تلك الأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم إلا رفعة وعلواً، ولهذا قال له ربه تبارك وتعالى: «ورفعنا لك ذكرك»، وأكرمه بمعجزة الإسراء والمعراج التي ارتقى فيها النبي عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا إلى منزلة لم يبلغها قبله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل.
إن الصحابة لما تعرضوا للهزيمة في معركة أحد، وقام المشركون بتشويه جثث الشهداء، فقطعوا الآذان وجدعوا الأنوف، وبقروا البطون، تألم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حل في إخوانهم، فأنزل الله تعالى ما يرفع همتهم ويقوي عزيمتهم بقوله: «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين». فالمؤمن مهما أصابه من ضر وأذى يبقى الأعز والأعلى.
لما ثبت آل ياسر على دينهم، قام أبو جهل عليه لعنة الله برمي سمية أم عمار بحربة فأصابها في مكان عفتها فقتلها، ولكن الله عز وجل أكرمها بنيل لقب أول شهيدة في الإسلام.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرسل سرية لقتال الروم بقيادة الصحابي عبدالله بن حذافة السهمي، فيقع أفرادها في الأسر، ويقوم ملك الروم بمحاولات عديدة لتنصير ابن حذافة، مرة بالترغيب، وتارة بالترهيب، إلا أن الصحابي ظل ثابتاً على إيمانه ودينه، فلما يئس منه الملك قال له: أطلق سراحك ولكن بشرط أن تقبل رأسي. يريد بذلك إهانة الصحابي فاشترط ابن حذافة للموافقة أن يتم اطلاق سراح جميع أسرى المسلمين معه، فوافق الملك فلما قبّل ابن حذافة رأسه، أطلق الملك سراحهم جميعاً، ولما قدموا على عمر بن الخطاب وعلم الخبر قال: حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ فقبّل رأسه وتبعه الناس.
أقول للنائب الفاضل الدكتور وليد الطبطبائي وكل إخوانه وأخواته المشاركين في «أسطول الحرية»، لكم الشرف والكرامة، ان الأذى الذي تعرضتم له كان في سبيل الله ونصرة لدين الله، وقد رفع الله قدركم وأعلى مكانتكم بصور أغاظت خصومكم تجلى بعضها بذلك الاحترام والتقدير الذي عبر لكم عنه ملايين الناس حول العالم.
وأما غيركم فلعله تعود على «الشلوت» عند طرده من مرقص أو حانة خمر، أو من أقدام أسياده الذين تعود أن يكون مهرجاً في سهراتهم، فأراد أن يعوض النقص الذي فيه بالسخرية منكم.
إن التعرض للأذى والإهانة في سبيل نصرة دين الله، فخر وعزة وليس عيباً أو مذلة، وحق لمن تعرض للسخرية لمثل هذه المواقف أن يردد قول الشاعر:
وكلمة حاسد من غير جرم
سمعت فقلت مري فانفذيني
وعابوها علي ولم تعبني
ولم يند لها أبداً جبيني
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com