أثار توقيعي على عريضة تطالب بالحرية للمواطن محمد عبدالقادر الجاسم حين كان محبوساً في السجن المركزي حبساً احتياطياً، لبساً عند بعض الأخوة والأحبة من الذين شعروا بحالة من التناقض بين ما أسطره في هذا العمود الذي أطل فيه على السادة القراء الكرام من طروحات وطنية وبين ما قمت به من ضم اسمي إلى الموقعين. هذا التناقض الذي رآه هذا البعض في كتاباتي التي تحث على دعم استقرار العلاقة بين الحكومة والمجلس سبيلاً للخروج من الأزمة التي هم فيها اليوم، خصوصا وهما يسيران في اتجاه تمكين عجلة التنمية من الحركة، وتأييد كل ما من شأنه أن يدفع باتجاه الهدوء وبث المناخ الإيجابي النظيف من أجل البناء لا الهدم، ومساندة القوى الناضجة في مجلس الأمة التي قرّرت ألاّ تنجر وراء التأزيميين من جانب، وبين دعم شخص، هو الجاسم، تتناقض آراؤه تماماً مع ما أكتب في زاويتي في «الراي» من جانب آخر.
أقول وباختصار شديد أنه لا تناقض بتاتاً في الأمر، فما أتبناه من مواقف هي من مخرجات قناعة كاملة بأهمية توفير مقومة النجاح لآلة النظام السياسي إذا ما أردنا منها الانتاج، ولا يمكن أن تكون لتلك الآلة ثمار طيبة ومفيدة في ظل من يسعى لعرقلة أعمال الحكومة والمجلس وضرب اسفين الفرقة بين الناس عبر التشكيك في نوايا وسلوك رجالات الكويت ابتداء مِنْ مَنْ هم على سدّة المسؤولية السياسية سواء كانوا من أبناء الأسرة الحاكمة، أو غيرهم لا فرق، وانتهاء بأفراد المجتمع بكل تقسيماتهم العرقية والمذهبية، لأنها تمثل في مجملها النسيج الاجتماعي الحقيقي المكمّل لبعضه البعض في البلاد. ولا يمكن أن تسير الحكومة نحو الانجاز وهناك من يسعى جاهداً إلى إثارة كل ما من شأنه أن يبعد الناس عن سلطتهم التنفيذية، ويستهدف أسس التعايش الأهلي والسلمي بين فئاته سعياً إلى تمزيقها، وهذا بالضبط هو ديدن التأزيميين في مجلس الأمة وخارجه من الذين قرّروا أن يجتمعوا على اجتثاث تلك السياسة، ومع اختلاف توجهاتهم وتنوع مشاربهم وتعدد منطلقاتهم الفكرية والعقدية، إلا أن العنوان الجامع لهم هو استهداف شخص رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد بصورة جليّة لا تخفى حتى على الجاهل بأبجديات السياسة ودهاليزها في واقعنا المحلي. وإلاّ ماذا يعني أن يثير أحدهم قضية شيكات «تنفيع» صدرت من ديوان رئيس الوزراء لبعض نواب مجلس الأمة دون دعمه بدليل قطعي لا لبس فيه، ما أدى إلى إثارة غبار ملوث لا مبرر له، إلا اللهم زج البلاد في أتون الفتنة السياسية وعرقلة عمل السلطتين التنفيذية والتشريعية، وماذا يعني أن يقذف أحدهم سموه بتهمة غسيل الأموال وأمام الجماهير ووسائل الإعلام، دون بيّنة يقينيّة ليثير سخطاً وامتعاضاً بين الحكومة والناس؟! وماذا يعني أن يتهم آخر مواطنين شرفاء بالخيانة العظمى، وبأنهم «حاشية» مشبوهة ومرتبطة بالأجنبي دون أن يسند تهمه بأدلة عينيّة، وماذا، وماذا، وماذا...؟
أما كتابات الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، فأحسب أنني في واد وهي في واد آخر تماماً، فلا أؤيد ما يسطره قلمه من أحرف ناهيك عن الجُمل والفقرات، وأحسب أن فيها من لغة تصنيفية تمزق المجتمع ما فيها، وتعج بالتحريض وبث روح الكراهية بين الناس والحكومة، وبين فئات الشعب أنفسهم تمزيقاً عرقياً وفئوياً، بل هي معوّل هدم لأواصر الترابط بين أبناء المجتمع الواحد تحت سقف المواطنة. وأنا ممن رأى بأم عينه كيف تثير بعض كتاباته الفتنة الطائفية في مجتمعنا الصغير، وتحمل حقائق يتم التطاول فيها على المواطنين ذمّاً وتجريحاً، وتُنشر بلا دليل يقيني قطعي ولا حس وطني مسؤول يراعى فيه مفهوم المواطنة أساساً للتعايش، ما يشكل لبساً كبيراً عند الناس يدفع بعضهم إلى كره الآخر.
ولكن تشخيصنا لكتابات الجاسم شيء، وإيماننا بمبدأ احترام القانون شيء آخر تماماً، فنعم كبيرة لحرية أي مواطن في إبداء رأيه مهما اختلفنا معه، ولكن لا كبيرة لتجاوز أي مواطن حرية الرأي تلك إلى التعدي على مشاعر الناس والتجريح بهم أفراداً كانوا أم طوائف. نعم كبيرة لتطبيق القانون وحبس المتهم حين الإدانة، ولكن لا كبيرة لحبس أي متهم قبل أن يصدر القاضي حكماً نهائياً بإدانته. إنها قناعة ترجمناها عبر التوقيع على بيان يطلب بإطلاق سراح الجاسم دون تأييد ما ذهب إليه هو من آراء في كتاباته، وقد كانت لنا مواقف مشابهة وواضحة في مقالات سابقة ندين فيها التعسف في الحبس الاحتياطي الذي يمارس في حق الكثير من الوافدين في السجن المركزي، وأيضاً الإقامة الجبرية في مركز الإبعاد لمدانين أجانب أنهوا أحكامهم الجزائية، أو لأفراد تركوا هناك دون أن تتم إدانتهم. كما كان لنا موقف واضح ضد التعسف الذي طال المتهمين سيد عدنان عبدالصمد وأحمد لاري قبل إدانتهما في المحاكم، وهذا ما أثبته الزمن حين تمت تبرئتهم.
بمعنى آخر ليأخذ الجاسم أو غيره جزاء ما جنته يده من فعل، ولكن بعد إدانته في حكم نهائي لا رجعة فيه، وليس قبل ذلك، هذه حقيقة تنسجم وقناعاتي، ملتمساً من الباري تعالى أن ينير قلوبنا إلى الحق ويوجه عقولنا للسير في طريقه.
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com