قبل أيام وبالتحديد في الحادي عشر من يوليو أحيت جمهورية البوسنة والهرسك الذكرى 15 لمجزرة سربرنيتشا والتي وقعت في العام 1995، هذه المجزرة التي أرتكبتها القوات الصربية ضد المسلمين والتي راح ضحيتها أكثر من 8000 شهيد بين شيخ وشاب وطفل. ومما زاد المجزرة إيلاماً أنها وقعت بعد طلب الأمم المتحدة من مسلمي هذه المدينة تسليم أسلحتهم كشرط أساسي ليصبحوا تحت حماية قوات الأمم المتحدة، وفي ليلة المجزرة تقدمت القوات الصربية نحو المدينة ولم تجد أي مقاومة تذكر من القوات الهولندية التابعة للأمم المتحدة والتي سلمت المدينة للميليشيا الصربية، وجعلت المسلمين العزل تحت رحمة الصرب الحاقدين والذين قاموا بتجميع المسلمين العزل من السلاح ثم عزلوا الرجال عن النساء، وارتكبوا بعدها أبشع جرائم التطهير العرقي في العصر الحديث ما جعلها أكبر مجزرة تقع في أوروربا في ما بعد الحرب العالمية الثانية.
في 5 يونيو عام 1982 دكت القوات الإسرائيلية بيروت براً وبحراً وجواً وكان الهدف القضاء على الثورة الفلسطينية، والتي كانت بقيادة ياسر عرفات، وفي 13 من الشهر نفسه دفعت القوات الإسرائيلية بقوات برية نحو الجنوب وازدادت وحشية القصف وظل عرفات ومن معه من الفدائيين محاصرين لمدة 88 يوماً، وبعد مشاورات عديدة بين الفلسطينيين واللبنانيين وحكومات عربية، وبتدخل من الوسيط الأميركي فيليب حبيب تم الاتفاق على خروج المقاومين من بيروت بعد تعهد أمين الجميل لعرفات بأن المدنيين الفلسطينيين سيكونون في ذمته وفي حضن الدولة اللبنانية وحمايتها، وفعلاً خرج ياسر عرفات في 30/8/1982 من بيروت ومعه الفدائيون وتوزعوا على مجموعة من الدول. ولكن بعد أسبوعين فقط من خروج عرفات وقواته من بيروت وقعت مجزرة «صبرا وشاتيلا» حيث حاصرت القوات الإسرائيلية المخيمين بعد اجتياح لبنان، وتركت المجال لقوات «الكتائب» النصرانية اللبنانية لتفرغ حقدها على الفلسطينيين العزل، فارتكبت مجازر همجية راح ضحيتها أكثر من 3 آلاف قتيل فلسطيني بين طفل وامرأة وشيخ كبير.
بعد 11 عاما من هذه المجزرة وجدنا أن ياسر عرفات لم يفهم الدرس ولم يتعلم من تجاربه السابقة، ودليل ذلك ما أشار إليه المفكر والكاتب المعروف فهمي هويدي في مقالة بعنوان «التركيع بالتوقيع» أن عرفات بعد توقيعه لاتفاقية السلام مع إسرائيل في أوسلو عام 1993، ومن باب التفاؤل أصدر أوامره بوقف الانتفاضة الأولى، وطلب من القادة الميدانيين تسليم أسلحتهم إلى الحاكم العسكري في غزة، فقاموا بتنفيذ الأمر على الفور، إلا أن تفاؤل عرفات بتحقيق الحكم الذاتي فوق 90 في المئة من الأرض الفلسطينية لم يكن في محله إذ تقلصت مساحته بعد مفاوضات مضنية إلى 22 في المئة فقط من الضفة وغزة، كما أن إسرائيل لم توقف، حتى بعد الاتفاقية، مسلسل الاعتقالات والاغتيالات.
أذكر هذه المواقف والأحداث من تجارب إسلامية وعربية مؤلمة صدق فيها العرب كذبة السلام وإلقاء السلاح، ولم يجنوا منها سوى القتل والتشريد والدمار، أذكرها وأخص بها أولئك الذين يطالبون «حماس» اليوم بأن تلقي سلاحها وتنضم إلى فريق الاستسلام، إلى الذين يريدون من «حماس» أن توقع دون أي تغيير على الورقة المصرية للمصالحة، هذه الورقة التي هي بصيغتها الحالية تلغي المقاومة، ومن يطلب من «حماس» توقيعها يريد أن يجعلها بين اختيارين أحلاهما مر، إما إحراجها في حال رفض التوقيع، أو تركيعها في حال الموافقة، وأنا على يقين بأن «حماس» لو اختارت إلقاء السلاح وتخلت عن المقاومة، فإنها إنما تحفر قبرها بيدها، وأن ذبحها من الوريد إلى الوريد لن يكون على أيدي الإسرائيليين، وإنما على يد من يتكلمون بلهجتها وينتظرون ساعة الانتقام منها.
وأذكر إخواننا في فلسطين بأبيات شعر إنشادية لأحد شعراء الأقصى حيث يقول باللهجة الفلسطينية:
لا ترم سلاحك لا ترم... يا شعب... بدهم نركع
رح يبقى ترابي لو برويه... بالدم... عون الله معي
والله المستعان.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com