لكل بلد بعض الخصائص والمواصفات والعلامات والمؤشرات والدلائل التي إن وُجدت، فيمكن أن نطلق عليها دولة مدنية، وإن اختفت فبالتأكيد ستفقد الدولة مصداق إطلاق هذا المصطلح العلمي عليها. وبطبيعة الحال أن الدولة التي تلتزم الدستور ضابطاً يحكم شؤون وإدارة الرعية، ويحدد ما يجب فعله وما يجب تركه، هي بالتأكيد دولة تسير في اتجاه تعزيز الحياة المدنية والرقي في التعاطي الاجتماعي بين بني البشر، والذي تنشده أغلب شعوب العالم اليوم منهجاً قويماً وخياراً ناجحاً.
ولا تخرج دولة دستورية كالكويت عن تلك القاعدة، ولكن وللأسف الشديد أن التحديات الكبيرة التي تواجهها ضرباً في هذا المصطلح المهم لا يمكن التغاضي عنه، إذ لا تستوي المدنية مع ثقافة التقسيم الفئوي والطائفي والقبلي والعرقي إذا استشرت كظواهر مجتمعية لتصبح هي الأصل في الاصطفاف الانتخابي، وهي المبدأ في التعامل السياسي، وهي المعيار في التعاطي المهني والوظيفي، وبها ومنها يتجذّر التنافس الاقتصادي والتجاذب الاجتماعي، فينقسم الناس، انقساماً باطنياً، في كل ذلك حسب أصولهم وعروقهم وطوائفهم وقبائلهم، لتتحول البلاد إلى جملة من المتناقضات المتناحرة في ما بينها، لا المتكاملة والمكملة لبعضها البعض.
إنها حقيقة مرّة لابد لسلطات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أن تواجهها، فعلى سبيل المثال: لا يستوي أن يتحدث نائب ما عن الإصلاح من خلال ثوبه الفئوي الضيق، ليجر البلاد إلى تناحر لا معنى له في وقت يتحدث هو عن أهمية تعزيز مبادئ الدولة المدنية. أو أن يسعى نائب آخر مثلاً إلى فرض ذوقه القبلي أو الطائفي أو العائلي على المجتمع بنَفَسٍ فيه من التمييز ما فيه، في وقت يقرّر قانون الدولة تمثيل النائب لكل الأمة، كل الأمة، بمختلف طوائفها، وتعدد مشاربها، وتنوع أصولها، واختلاف مذاهبها. فالدولة المدنية لها أطر واضحة، ومنهاج جامع أساسه مصلحة المجتمع بمفهومه الواسع والعام لا الضيق والخاص.
وبالتالي، حين يتحدث نائب ما عن سيادة مذهب معين على آخر، ومطالبة من لا ينتمي لمذهبه أن يستسلموا ويخضعوا لذوقه العقدي أو مدرسته الاعتقادية، فإنه بذلك لا يخالف مبدأ التعايش المشترك فقط، بل وينتهك أسس الدولة المدنية التي بها استقامت البلاد، ومنها يستمد القانون شرعيته واحترامه من الناس، وعبرها يمكن للكويت أن ترتقي وتتقدم وتنطلق إلى مصاف الدول المتقدمة.
نقول ذلك، ونحن نشاهد بأم أعيننا كم التصريحات النيابية التي تعزز، وللأسف الشديد، التقسيم الفئوي والطائفي والقبلي والعائلي، على حساب ما ننشده من نموذج حكم ارتضيناه لأجيالنا القادمة. فهل من مدرك لخطورة استمرار تلك الشريحة من النواب السائرين في هذا المنحى الاصطفافي والأسلوب التقسيمي؟
كيل بمكيالين
الهدف من إنشاء الهيئة العامة للتعويضات فترة التسعينات هو لتقدير وحصر الأضرار التي لحقت بالكويتيين جراء الغزو العراقي وتعويض ذوي الشهداء والأسرى، إلا أن الهيئة وللأسف الشديد باتت تكيل بمكيالين، فهناك أبناء شهداء تم تعويضهم، وهناك ما لم يتم تعويضهم رغم تطابق الظروف وتشابه الحالات. ولا يعقل لصرح أسسه الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بالأمس ليضمن حقوق أبناء الشهداء وأسرهم، أن يمارس اليوم تفرقة وتمييزا بين شهداء الكويت، وأن يمارس فيها انتقائية غير مبررة، فيمنح ذاك، ويحرم هذا!
د. سامي ناصر خليفة
أكاديمي كويتي
qalam_2009@yahoo.com