د. سامي ناصر خليفة / جريمة قتل مجتمع!

تصغير
تكبير
نعم كبيرة لحرية المواطن في إبداء رأيه عبر وسائل الإعلام المحلية، كتابة أو قولاً، مهما كان الرأي متطرفاً أو شاذاً ما دام هو رأي اجتهد صاحبه في التوصل إليه واقتنع به وحمله في ذاته وتبناه وقرّر تسويقه في المجتمع، ونعم أكبر لتعديل قانون المرئي والمسموع والمقروء بما ينسجم مع هذا المطلب والسماح للمزيد من حرية التعبير عن الرأي لكل المواطنين، وفي ظروف بعيدة عن القيود القانونية والمجتمعية. لأن توفّر المناخ السليم والمريح في المجتمع بالتأكيد من شأنه أن يساهم في تطوير الدولة على جميع الأصعدة استناداً إلى المنطق النبوي: «اختلاف أمتي رحمة»، فكيف للاختلاف أن ينضج ويثمر إثراءً للأفكار المطروحة وتقوية لمسار العاملين في الساحات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وغيرها، دون أن يتوافر هذا المناخ الإيجابي لحرية التعبير عن الرأي.

تلك حقيقة لا يختلف عليها كل من ينشد التقدم والازدهار لبلده، وكل من يبحث عن الأمن والراحة والاستقرار والطمأنينة لمجتمعه. أما بعض ما نراه اليوم في الكويت من استغلال للمناخ الإيجابي الذي تتمتع به وسائل الإعلام على صعيد الحريات، فهو شيء آخر تماماً ولا علاقة له بما نقصده، لأن الحرية التي نقصدها تبني مجتمعاً، وما نراه عند البعض هو هدم في وضح النهار. والحرية التي نقصدها تزيد من أواصر المحبة والتآخي والارتياح بين أبناء المجتمع، بينما الحرية التي تبناها بعض من بني جلدتنا لا تزيد المجتمع إلى المزيد من التمزق، ولا تبث إلا المزيد من الحقد والكراهية بين فئاته وأطيافه.

الحرية اللا مسؤولة التي تبنّاها هذا البعض في الكويت والقائمة على التجريح المهين والافتراء بلا برهان معقول والقذف بلا دليل يقيني ولا بيّنة مؤكدة، هي ليست ما نقصدها بالتأكيد. لأنها حرية تخالف الفطرة، وتنال من إنسانية الإنسان، وتنذر بأن لأصحابها أغراضاً شيطانية ونوايا تنبعث منها روائح كريهة. وكي أكون أكثر وضوحاً أقول ان ما ذهب إليه بعض نواب التأزيم من حديث وعبارات هابطة جداً في حق مخالفيهم، وما ذهب إليه بعض كتاب الرأي وأصحاب الزوايا من كلمات تتجاوز فكر المختلفين معهم إلى أصولهم وفصولهم وأعراقهم وانتماءاتهم المذهبية والعقدية، وتلك منقصة اجتماعية أحسب أنها من أسوأ ما يمكن أن يصل إليه مواطن في التعامل مع أخيه المواطن الآخر لا يقل سوءاً عن منطق تعامل قابيل مع أخيه هابيل. والأسوأ من كل ذلك تجده أخي القارئ الكريم في بعض المواقع والمنتديات الالكترونية التي يضعف في العادة الرقابة الذاتية عليها كونها تنشر الكثير من التعليقات لأسماء وهمية ولشخصيات مجهولة وغير معرّفة مما يشجع ضعاف النفوس على خرق القانون في ظل غياب المحاسبة، ويؤدي إلى انسلاخ فاضح للإنسان من إنسانيته، ويتجرد من شعوره القيمي ليغالي في إبداء رأيه والتعسف مع مخالفيه.

وتلك كارثة حقيقية تهدم كل ما سعت الدولة ورجالاتها إلى بنائه في العقود الماضية عبر مؤسساتها القيمية والتعليمية، كالمدارس والكليات والجامعات والمساجد وغيرها. فما أسهل الهدم وما أصعب البناء! لذا لا يمكن أن نقف مع من يتحدث عن حماية حرية المواطن في التعبير عن رأيه، دون أن يُعرّف لنا تلك المفردة والمعنى المقصود منها، ولا يمكن أن نقف مع دعاة حماية الحريات اليوم وهم أول من ينتهكها جهاراً نهاراً من خلال اتباع أسلوب القذف والتجريح وتمزيق المجتمع وإشاعة الفوضى في مواقعهم ومنتدياتهم ومدوناتهم الالكترونية.

إنها الحرية المسؤولة التي ننشدها ونتمنى من الدولة أن تتصدى لحمايتها، وضمان استمرارها كمكتسب حقيقي يتمتع به مجتمعنا مع التفريق بين هذا المكتسب، ومن يريد أن يعبث به ويتطاول على أعراض الناس وقيم المجتمع في حفظ شخصية الإنسان باسم الحرية، فلابد أن يكون هناك قانون جزائي يعالج معضلة هؤلاء بتجريم سلوكهم، ويتربص لنواياهم الشيطانية ويكون لهم بالمرصاد. ولتكن الخطوة الأولى للحكومة باتجاه إعداد مشروع قانون متكامل يضع النقاط على الأحرف فيما يتعلق بتجريم من ينتهك أسس الوحدة الوطنية للمجتمع، ومن تسول له نفسه العبث زوراً وبهتاناً بأعراض الناس والتجريح بخصوصياتهم ومقدساتهم والتشكيك بولاءاتهم وإشاعة أجواء يتم فيها تكريس التقسيم العنصري والطائفي والقبلي والعرقي والفئوي وغيره، على حساب مبدأ السلم الأهلي وأسس التماسك الاجتماعي. إنها جريمة قتل مجتمع لا مزاح فيها يا سادة أعضاء الحكومة.





د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

qalam_2009@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي