«الجزيرة الرياضية» ... العرب يستطيعون!

تصغير
تكبير
لم تكن «الجزيرة الرياضية» مجرد قناة تنقل مبارايات كأس العالم... كانت اكثر من ذلك بكثير. فعندما يصنفها الاتحاد الدولي لكرة القدم بأنها الافضل على مستوى العالم في تغطية المونديال مباشرة بعد القناة الالمانية التي تتجاوز خبرتها نصف قرن ومتفوقة على كل التلفزيونات الدولية المتخصصة والعامة، فهذا يعني ان العرب قادرون بتوليفة الامكانات المادية والاحتراف والابتكار على المجاراة والمنافسة والتفوق.

دفعتنا «الجزيرة الرياضية» في كأس العالم دفعا الى تجاوز عقد النقص الكامنة فينا نتيجة اسوار السياسة المرتفعة، ففي السياسة لا نجاري ولا ننافس لأن المحاذير اكثر من الاحداث نفسها، واذا خرقنا السقف هنا وهناك نعود الى التسويات و«حب الخشوم» والمصالحات. نعم، بيت العرب الاعلامي في السياسة أوهن من خيوط العنكبوت، فهذه الكلمة تغضب وتلك تزعج وثالثة تقطع العلاقات ورابعة قد تشعل حربا. بنياننا السياسي الداخلي اضعف من ان يتحمل كلمة واعجز من ان يفسر اي تغطية حقيقية او تحليل او خبر الا من منظور ذاتي شخصي قائم على نظرية المؤامرة او «التدخل بالشؤون الداخلية».

صعب في السياسة العربية ان تجد تصنيفا اعلاميا، فالتصنيف دائما سياسي حتى لو كانت المؤسسة الاعلامية مستقلة وتهاجم سلوكيات خاطئة في البلد الذي تعمل به. بل اكثر من ذلك هناك «سعاة خير» ينتقلون من دولة الى اخرى ناصحين المسؤولين بأن يكونوا اكثر حزما مع الحريات الاعلامية في بلادهم خوفا من تكريس مبدأ يتعمم. تخيلوا ان الحرية الاعلامية في السياسة ممنوع عليها تخطي حدود بلادها... ومحاربة في الوقت نفسه من دول قريبة وبعيدة لا تريد لها حتى ان تترسخ محليا.

في «الجزيرة الرياضية» تغيرت القصة تماما. فتح التألق الاعلامي ثغرة في الفضاء ليتجاوز قيود الأرض السياسية. في كل المباريات خصوصا تلك التي عقدت في اوقات واحدة كان في الاستديوهات محللون عرب واجانب هم صفوة الصفوة في الشأن الرياضي. مدربون سابقون وحاليون. لاعبون سابقون وحاليون. اعلاميون متخصصون ومن مختلف الجنسيات. اما في الملعب فالتعليق موزع على اكثر من «فنان» لارضاء كل الاذواق، وحين تنتهي المباريات تفتح اجهزة البث ارسالها من عواصم الدول التي كانت فرقها تلعب لقياس ردود الفعل الجماهيرية ناهيك عن فقرات التحليل لكل خطوة خطاها لاعب ولكل قرار اتخذه حكم ولكل خطأ ارتكبه حارس مرمى... ناهيك عن القنوات التي خصصتها للمشاهد الاجنبي وضمت اهم الكوادر الاعلامية والرياضية.

وحدت الجزيرة الرياضية المشهد العربي امام المشاهد العربي. لم يعد يميز بين المعلقين والمحللين السعوديين والجزائريين والتونسيين والمغاربة والمصريين والسوريين والقطريين. «الأرض بتتكلم كرة» والجميع ابناء فضاء واحد.

كانت اكثر من قناة... كانت لغة حوار واثقة مع الآخر. كانت دليلا على ان العرب ليسوا رقما اعلاميا هامشيا في عالم ثالث متردد ضعيف الترددات بل هم قادرون على استعراض عضلاتهم في الملاعب الكبيرة... وقادرون على افقاد المنافسين الاجانب اعصابهم ايضا.

ويا ليتنا نستطيع التحايل على عجزنا الاعلامي السياسي وغير السياسي بتجارب مماثلة لما شهدناه في كأس العالم، او بالاحرى ليتنا نستطيع ان نعمم نجاحنا الاعلامي الرياضي على العجز السياسي رغم نصائح الكثيرين بأن نبقى على ما نحن عليه في الرياضة كي لا نخسر الرياضة والسياسة معا... فلا صوت يعلو على صوت السياسة ولا قاموس اكبر من قاموس الممنوعات.

في «الجزيرة الرياضية» تغيرت القصة تماما. لم يعد الاعلامي محاصرا بدفتر الشروط وقاموس الممنوعات الذي يتزايد ويختلف من يوم الى آخر. انطلق الجميع بروح رياضية تنافسية الى آفاق غير مسبوقة. سباق لا يتوقف ولعبة محتدمة واهداف بالجملة. تغطية مهنية ولا اروع واعلاميون يرفعون الكأس... والرأس.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي