من المعروف أن السجون وضعت كعقوبة للمجرمين، ولتكون رادعة لأصحاب الانحراف والمفسدين، إلا أنها في وطننا العربي والإسلامي قد تحولت في كثير من الأحيان إلى وسيلة للانتقام من المعارضين والمخالفين، ولتكميم أفواه الأحرار والمخلصين.
لطالما سمعنا عبارة «ياما في السجن مظاليم» وهي عبارة واقعية لما يتعرض له المواطن في ما يسمى بالوطن العربي، وإن شئت فسمه بالسجن العربي الكبير، فكم من بريء أعتقل تحت غطاء قانون الطوارئ، وكم من أسر شردت وتمزق شملها وفرق بين الأب وأبنائه بحجة محاربة الإرهاب، وكم، وكم...
إن التاريخ في الماضي والحاضر ليحدثنا عن مظلومين كان سبب إلقائهم خلف القضبان هو أحد المبادئ العظيمة التي كانوا يتمسكون بها ورفضوا التنازل عنها، فهذا يوسف الصديق عليه السلام يلقى في السجن بسبب عفته وطهارته، ولذلك قال «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه»، فالسجن أحب إليه من الوقوع في الفاحشة مع امرأة العزيز، وذاك ابن تيمية رحمه الله يسجن ويعذب بسبب صراحته وشجاعته في قول كلمة الحق حتى مات وهو محبوس في سجن القلعة.
ومن منا لا يتذكر الداعية والأديب سيد قطب رحمه الله، والذي عاش برئة واحدة فلم يرحم جلادوه ضعفه ومرضه، ولقد ظل سجيناً تحت وطأة التعذيب أعواماً طوالاً، والسبب أنه لم يرض لنفسه أن يقاد كبقية القطيع، وأبت كرامته أن يخط اصبعه كلمة يرضي بها طاغية، واستمر في قول كلمة الحق والجهر بها حتى وهو على منصة الإعدام.
إن الظلمة لا يتورعون عن استخدام أساليب العقاب الجماعي إذا مكنتهم الظروف من ذلك، فلربما سجنوا وحاصروا دولة بأكملها أو شعباً بأسره، فكفار مكة حاصروا بني هاشم أهل النبي صلى الله عليه وسلم في شعب أبي طالب ثلاثة أعوام حتى أكلوا الحشيش والجلود، بسبب رفضهم تسليم النبي عليه الصلاة والسلام أو التخلي عن نصرته. وأهل غزة محاصرون منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ولم تكن جريمتهم سوى أنهم اختاروا بنزاهة من يرغبون في تمثيلهم وقيادة مسيرتهم.
إن السجين صاحب المبدأ هو المنتصر على خصومه ما دام موقنا أن الحق معه، فمهما فعل به أعداؤه فلن يتمكنوا من إذلاله أو تحطيم كبريائه، فهذا ابن تيمية رحمه الله برغم ما تعرض له إلا أن مكانته ومنزلته باقية إلى يومنا فلا يكاد يذكر إلا ولقب شيخ الإسلام يسبق اسمه. وهذا أردوغان يعتقل ويسجن وما هي إلا فترة يسيرة حتى تقلد منصب رئيس وزراء تركيا، ولاتزال شعبيته في ازدياد ويتردد بين الأتراك بقوة أنه الرئيس المقبل للجمهورية التركية.
كم أتمنى مخلصاً من كل من سولت له نفسه باستخدام السجن لتصفية خصومه، أن يدرك حقيقة أن الدنيا دوارة، وأن الأيام دول، ومن سقى غيره من كأس سيشرب هو من نفسها لا محالة، فهذا يحيى البرمكي في زمن الخلافة العباسية كان ذا منصب ومكانة عند هارون الرشيد، فاستغل منصبه في ظلم الناس والتسلط عليهم وأكل حقوقهم، فما دار الزمان دورته إلا وهو مرمي في السجن مع ولده، وقد صودرت أمواله ونزع سلطانه، وتمزق شمل أسرته، فيسأله ولده عن السبب في هذا التحول السريع من حياة العز والرخاء إلى حياة البؤس والشقاء، فيقول: يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com