د. سامي ناصر خليفة / أزمة الكويت في نوابها

تصغير
تكبير
لو أجرينا استبانة فيها مسح ميداني يشمل تنوعاً في مناطق الكويت وأعمار الكويتيين، لنسألهم عن تقييمهم لأداء نواب مجلس الأمة، لكان جل الأجوبة تنتهي إلى السخط والامتعاض وعدم الرضا. هذا ليس انطباعاً تخمينياً، بل هو واقع تلمسه عند الحديث مع أفراد الأسرة وزملاء العمل ورفقاء الدرب وأصدقاء الديوانيات، وأغلب من تحتك بهم أثناء عملك واحتكاكك اليومي بالناس، فالاتجاه سلبي للغاية والمؤشر يدل على عدم الارتياح. هذا هو باختصار العنوان الأبرز لتقييم سلوك وأداء البرلمان في دور الانعقاد الحالي الذي نعيش يومه الأخير دون الدخول في التفاصيل والغرق في بحر الأدلة التي لم تعد تحتاج إلى عناء لذكرها كونها واضحة وضوح شمس الظهيرة في صيف هذا الشهر.

ومع تشخيصنا بأن هذا الامتعاض والسخط الشعبي سببه الأساس يكمن في شخوص بعض النواب الذين سعوا جاهدين لخلق مناخ غاية في السوء من شأنه أن يؤدي إلى حل البرلمان، وزج الحياة الديموقراطية في البلاد إلى المجهول بتبرير تقويم المسار النيابي، وإغراق السلطتين في فوضى الاستجوابات ومواجهة الاعتصامات والإضرابات باسم الإصلاح السياسي، وإثارة الفتن الطائفية بين السنة والشيعة بذريعة الدفاع عن «العقيدة»، والتفريق بين البدو والحضر بحجة إشاعة «العدل» و«المساواة»، وأكثر من ذلك أن يسعى بعضهم إلى النيل من سيادة البلاد، والتجريح في كرامة الناس، وبث ثقافة الكراهية في أوساط المجتمع الواحد. بل أكثر من ذلك أيضاً حين سعى هذا البعض من النواب إلى تجاوز مواقع العمل في البرلمان مهرولين إلى الإعلام والجماهير، بهدف الحشد والتمويه وفق النظرية السيكولوجية في تهويل الصغائر وتسخيف الكبائر لإبراز زاوية متضررة في كل محفل، وإظهارها على أنها تمثل المجتمع الكويتي في ظل غياب الأغلبية الصامتة التي تتفرج لا حول لها ولا قوة.

وأمام هذا المنحى الخطير في الحراك السياسي المتأزم والذي خلقه بعض النواب، نتساءل كيف يمكن معالجة تلك الظاهرة الخطيرة التي وصلت لتقود مثل هؤلاء إلى موقع حساس للغاية يتحكم بمصير أبناء الكويت ومستقبل أجياله، وهو مجلس الأمة؟ وكيف يمكن مواجهة تلك الظاهرة بهدف اجتثاثها أو لجمها أو النأي بالبلاد والعباد عن تبعاتها وأضرارها السلبية التي لا يختلف اثنان على أنها مدمّرة للسلم الأهلي ومبدأ التعايش المشترك الذي ارتضاه أهل الكويت سبيلاً ومصيرا؟

وأحسب أن السبب الأهم في استشراء تلك الظاهرة المرضية التي ابتلى بها بعض النواب اليوم هو فيما يحمله هؤلاء من صفات وعادات ومعتقدات وطريقة حياة، وما يوصمون به أيضاً من طريقة حياة تعج بألغاز وطلاسم وعُقد تتطلب فك مفرداتها ورموزها. ولابد اليوم من تصدّي المعنيين في الشأن العام من عقلاء القوم في كل التوجهات بمختلف أطيافهم الاجتماعية والعقدية لمواجهة تلك الظاهرة، ابتداء من الاجتماع على بحثها والسعي لوضع حلول ناجعة للمعالجة لا تغفل الاتفاق على تعريف سليم وصحيح للنائب، وما هي مواصفاته، وما هي خلفياته، وما نوع خطابه. ولا تتردد عن كشف المستور مهما كان مؤلماً، خاصة وأن هناك منهم من تطاول على ثقافة المجتمع تجريحاً بمكوناته الأساسية ومقدساته، وتطاول على شكل وكينونة ومستقبل النظام السياسي فيه إلى درجة لم يعد يهمه أن تكون الكويت دولة مستقلة ذات سيادة على أراضيها أم لا، فالأمر سيان بالنسبة لهم.

واستطرادا للموضوع، ودون لف أو دوران، نقول آن الأوان للتحرك الطارئ من أجل إنقاذ بيت الشعب من تلك الحفنة المتهورة، واستدراك ما تبقى من هيبة لمفهوم الديموقراطية، وتجسيد التوافق النيابي، ونبذ الحساسيات الطائفية والقبلية والعرقية والفئوية وغيرها، عند مناقشة قضايا تتعلق بمصالح الناس المباشرة في المجلس. فهناك من يدعو صراحة إلى الشر والتخريب، وبالتالي ما قيمة جهود من يبني في وقت هناك من يسعى إلى التخريب! إنه بحق أمر يدعو إلى الوقوف برهة للتدبر في سلوك هؤلاء، والعمل على مواجهته، لأنه لا يمكن أن يتم حل الأزمات من نواب يجسدون عين الأزمة ومكنونها في ذواتهم.





د. سامي ناصر خليفة

أكاديمي كويتي

qalam_2009@yahoo.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي