إبراهيم الرشدان والرشد المطلوب

تصغير
تكبير
كيف تقرأ خبر السبق العلمي للدكتور ابراهيم الرشدان الذي تلقته بشغف دوائر الطب الاميركية وعلى الهواء مباشرة؟ كيف تشعر وانت الكويتي المحبط في مختلف المجالات لدى رؤية اطباء جمعية القسطرة الاميركية في بالتيمور يهللون فرحا وسعادة لاكتشاف جديد في قسطرة القلب بتوقيع كويتي؟ وكيف تقارن بين جدية ومسؤولية وتألق طبيب احترم قسمه فأوصل اسم بلاده الى العالمية وبين مزايدين سياسيين حنثوا بقسمهم وجروا اسم بلادهم الى مناطق التخلف؟

اسئلة كثيرة اشبه بدهاليز الضياع التي سلكتها السياسة الكويتية داخليا منذ عقود. اسئلة فجرها شخص يعمل بصمت في مجاله وتخصصه، ويجهد للتطور والتألق خدمة لمهنته المقدسة من جهة وتخفيفا لآلام المرضى والمراجعين من جهة اخرى.

اعطت الكويت الدكتور الرشدان ما اعطته لغيره، فعرف كيف يوظفه في الاتجاهات الصحيحة ليرد لها العطاء اضعافا مضاعفة. تعلم وتفوق واكمل تخصصاته في الخارج مستفيدا متلقيا ومشاركا مبادرا. لم يكن همه الحصول على شهادة كي تؤمن له مركزا وظيفيا فحسب. لم يدخل نظام اللهاث وراء نواب ووزراء لاقرار كوادر وجلب المزيد من الامتيازات. عرف تماما حجم المهمة الملقاة على عاتقه وعاتق اقرانه الذين سيتولون مسؤولية النهوض بالجسم الصحي الكويتي ولذلك اعتبر ان مطاردة اي فكرة جديدة في عالم طبابة القلب بمثابة شهادة تخرج، واي مشاركة في مؤتمر طبي بمثابة واجب مهني، واي جهد بحثي وعملي لتطوير الامكانات والوسائل بمثابة امتحان حقيقي لقسمه... ومن يعرف ابراهيم الرشدان يعرف ان انجازه العلمي بابتكار طريقة جديدة لعلاج تفرع شرايين القلب خصوصاً شرايين الجذع الرئيسي عن طريق القسطرة لم يكن الاول ولن يكون الاخير، فهو كثير الابتكار في اطار منظومة الحماية التي يحاول دائما توفيرها للقلوب المتعبة. اما توقيعه على القسطرات التي يجريها وطرق العلاج التي يحددها فكفيلة لوحدها بضمان فتح ابواب كبار المستشارين الدوليين للمرضى الذين يحتاجون الى عمليات معقدة في الخارج.

لماذا لا ننجز في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية مثلما انجز اطباء الكويت؟ الجواب بسيط جدا وهو ان الاحباط في الديرة هو عند المحبطين فقط. عند العاجزين الذين ادعوا انهم اصحاب تخصص، وعند المتجاوزين لتخصصاتهم الساعين الى الشهرة عبر الاعتداء على تخصصات الآخرين. عند مفهوم الاخذ من دون عطاء. عند تكريس مبدأ البيروقراطية الوظيفية الذي حول الدولة الى مؤسسة راعية لجيش من المستهلكين الذين يحمون تقصيرهم بالصياح والصراخ والصفقات بين الحكومة والمجلس. عند غياب الرؤية المستقبلية والعيش على استحضار الخلافات الهامشية... أوليست مفارقة مؤلمة ان اطباء القلب الاميركيين مع اطباء عالميين يشاهدون عبر الاقمار الاصطناعية حلول طبيب كويتي لبعض حالات القلب المعقدة، فيما جزء من الكويتيين منشغل بما اذا كان الغناء حلالا ام حراما؟ وأيضا أوليست مفارقة اكثر ايلاما انه في الوقت الذي يرتفع اسم الكويت عاليا في مجال الطب يعتدي نائب (دليهي) على وزير الصحة الكويتي لأنه رفض تمرير معاملة غير قانونية بعدما كان اعتدى سابقا على اطباء؟

الدكتور ابراهيم راشد الرشدان (الذي نتمنى ان تكرمه حكومتنا قبل ان تكرمه مؤسسات وحكومات دولية) مارس قناعاته وعمل ما يرضي ضميره ويبر بقسمه، يبقى ان نرى الرشد من حكومتنا «الرشيدة» ومجلسنا وتياراتنا السياسية والمجتمع المدني الضائع بين الطائفة والمنطقة والقبيلة، ويبقى ان نتمنى للحياة السياسية ان تصاب بعدوى التألق الذي يحققه الاطباء الكويتيون في مختلف المجالات، خصوصا في جراحات العظم ومداواة المفاصل والاعصاب... عسى ان يأتي الحل من الاطباء هذه المرة فيكتشفون دواء للتركيز على التنمية الحقيقية والحوار الحضاري والديموقراطية الحقة والحريات المسؤولة.

قولوا آمين.



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي