ترى طبيباً يدخن، أو شرطياً يسرق، أو خطيباً يغني، فإنك ستصدم وتتعجب، لكن صدمتك هذه ستهون عندما تعلم أن من يفترض فيه تشجيع الناس وحثهم على حضور المساجد وإعمارها يكون أول العاملين على تطفيشهم منها.
بعد اجتماع مجلس الوزراء لبحث أزمة الكهرباء، سعت كل وزارة في البحث عن السبل المناسبة للمــساهمة في حل المشكلة، وكالعادة كانت وزارة الأوقــــاف مــــن أوائل الوزارات التـــــي تطــــبق الترشـــيد ولكن للأسف على حســــاب الحلقة الأضعــــف وهـــي بيوت الله، والمساكين المغلوب على أمرهم وهم المصلون.
لذلك أصدرت الوزارة بعض القرارات والتعميمات التي خاطبت بها كل من له علاقة بالمساجد من كبار المسؤولين إلى فراش المسجد ليقوم بدوره في الترشيد، ومنها على سبيل المثال وضع التكييف على درجات تبريد منخفضة، وإغلاق الإنارة الداخلية في صلاتي الظهر والعصر، مع برمجة تكييف بعض المساجد لكي تطفأ وتفتح قبل وبعد الصلاة بفترة قصيرة جداً. وإغلاق مصليات النساء وعدم فتحها إلا قبل صلاة الجمعة فقط، وتكليف لجان من قبل الوزارة لمتابعة ذلك.
الوزارة بمثل هذه القرارات تنفر المصلين من بيوت الله ولا تستقطبهم لها، لأن الأجواء داخل المساجد لن تكون مريحة وأحياناً لا تطاق، ولا أدري إن كانت الوزارة بهذه التعميمات تقصد تذكير المصلين بظلمة القبور من خلال اطفاء الأنوار أثناء صلاتي الظهر والعصر وخاصة مع اغلاق الستائر، أوبعرق الوقوف يوم المحشر مع دنو الشمس من خلال عرقهم المتساقط أثناء الصلوات مع خفض درجات التبريد وازدحام المصلين.
ألم تفكر الوزارة قبل إغلاقها لمصليات النساء بمن كان مع أهله في الطريق وأراد إدراك صلاة الجماعة كيف سيتركها طول الصلاة داخل السيارة وقت الظهيرة ومع الشمس الحارقة، أوبالدروس الدينية المقامة في مصليات النساء وهي تابعة للوزارة أو تحت إشرافها. أم لم تنتبه الوزارة إلى أن الإجازة الصيفية قد بدأت وكثير من أولياء الأمور يرغبون في تسجيل أبنائهم وبناتهم في مراكز وحلــــقات تحفـــــيظ القرآن الموجودة فــــي المســـاجــــد، فكـــيف يتيـــسر ذلك مع إطفــاء التكــــييف.
وهنا أود أن أطرح تساؤل لمعظم المسؤولين في البلاد... أيهما أولى بالترشيد وإطفاء الإنارة والتكييف، المساجد أم تلك المجمعات التجارية والمنتشرة في طول البلاد وعرضها وخاصة على الدائري الخامس والسادس والتي تعـــمل فـــــيها أجهزة التكييف والإنارة 24 ساعة، هــذه المجمعات التي تفــــتح أبوابها للمتسوقين لأكثر من 14 ساعة فأيهما أكثر إسرافاً وتبذيراً، ولماذا تبقى المطاعم والمقاهي مفتوحة إلى ساعات متأخرة، أم أن لهذه المجمعات والمطاعم من يدافع عنها ويحمي حماها، أما المساجد فلا بواكي لها؟
قدم أحد زملاء المهنة والصحافة اقتراحا في احدى مقالاته يطرح فيه على وزارة الأوقاف ومن باب الترشيد أن تنظر إلى كل مسجدين متقاربين فتغلق أحدها، وبرغم احساننا الظن بالزميل إلا أنني أعتقد أن اقتراحه قد جانبه الصواب، أولاً لأنه فوت الأجر على صاحب المسجد الذي سيغلق حيث سيحرمه أجر المصلين والمتعبدين، ثانياً نحن نرى تكاسل الناس عن صلاة الجماعة مع أن بعض المساجد قريبة منهم جداً، فكيف إذا طبق هذا الاقتراح، ثالثاً إن بعض الحريصين من الرجال والنساء يرسل أبناءه للصلاة في المسجد مشـــياً عــلى الأقـــــدام إما لــــــقرب المسجد أو لعدم وجود من يوصلهم بالسيارة، فكيف إذا اغلق المسجد القريب.
ختاماً أتمنى من وزارة الأوقاف أن تعين المصلين على أداء صلاة الجماعة في المسجد، وألا تلتفت لدعوات الترشيد المؤثرة سلباً على المصلين، ومتى رأت الوزارة أن معظم المؤسسات والوزارات تطبق الترشيد وهناك جو عام في البلد نحو ذلك ساعتها سنقبل من الوزارة ترشيدها.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com