ظلم وظلام وجنود مجهولون

تصغير
تكبير
من سخريات القدر ان يضطر الكويتيون الى التعايش مع ازمة كهرباء سنوية في دولة يفترض ان ملاءتها المالية ومداخيلها النفطية كبيرة والحمد لله. تنقطع الكهرباء والحرارة تتجاوز الخمسين درجة. بترشيد ومن دون ترشيد. بخطة تقنين ومن دون خطة تقنين، وكأن الظلام الذي يضرب مضاربنا السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية والعلمية يراد له ان ينتشر بمعانيه الحرفية، فيتعب ابصارنا ويحصي انفاسنا ويدخلنا متاهات ما بعدها متاهات من الضيق والاحباط، ناهيك عن الحالات الصحية التي يستنزفها غياب الطاقة من المنازل والابنية واماكن العمل.

لكننا في الكويت، بلد المليون عجيبة وغريبة، وعلينا ان نصدق كل شيء.

الارض موجودة ومسطحة وتضاريسها واضحة. المال موجود والكفاءات كذلك. خطط التوسع العمراني والتجاري تنتقل من الملفات الى التنفيذ على الارض. الزيادة السكانية المحلية والعمالة الوافدة في ازدياد. المدن والمناطق والأحياء والأبنية والمصانع والمشاريع الجديدة تتوزع شرقا وغربا... اما الخريطة الكهربائية لذلك كله فلا يبدو ان لها علاقة بالبنى التحتية المطلوبة للتوسع الافقي والعمودي، والدليل ان المنشآت الكهربائية، انتاجا وتوزيعا، تأخذ من الموجود حاليا (وهو القديم الذي يحتاج الى تطوير وصيانة اساسا) ولا تضيف اليه، في حين ان المحولات الجديدة عليها اكثر من علامة استفهام لانها وباعتراف مسؤولي الوزارة انفسهم الاكثر احتراقا وتعطلا.

أين الخلل؟

هو في التخطيط حكما، فمن تعاقب على حقيبة الكهرباء تعامل مع الامر الواقع من باب المعالجة لا من باب التطوير، وكأن هم جميع الوزراء مواجهة اعباء الصيف واحماله الكهربائية و«السياسية». والتقصير هنا يوجه الى الحكومة وبالقوة نفسها الى المجلس الذي واكب التجاهل بالتجاهل ما خلا بعض المواقف والتصريحات التي لم ترق الى مستوى المعالجة الحقيقية.

والخلل ايضا يكمن في الادارة، لان عمليات التطوير التي رست مناقصاتها هنا وهناك ودفع فيها الشيء الكثير تبين انها تنطفئ عند اول عطل، وان المحولات الداعمة تحتاج الى من يدعمها... ويبدو ان ظلام اليوم هو انعكاس لظلم الصفقات، وهنا لا يسعنا الا انتظار الكلام الفصل من هيئات الرقابة والمحاسبة في الدولة.

تبقى الاشارة الى موضوع يتجاهله كثيرون ولا يركزون عليه لكنه نقطة الضوء الوحيدة في الظلم والظلمات، ففي قضية الكهرباء تتركز الاضواء على الوزير سلبا وايجابا. يتعرض لهجوم نواب ومعارضين او يحظى باشادة نواب وموالين... اما اعضاء فرق الطوارئ لإصلاح الأعطال والشبكات والمحولات فلا احد يتذكرهم مع انهم يستحقون الاشادة كل الوقت لانهم يعملون بضمير حي ويتحدون الاحوال الجوية الصعبة ويعرضون انفسهم لمخاطر الحرارة العالية. تراهم على اعمدة الانارة او في انفاق الكوابل. ينتقلون من منطقة الى اخرى على مدار الساعة. يعوضون بجهدهم واخلاصهم وتعبهم وعرقهم تقصير «الكبار» الذين يتكارمون في التصريحات والوعود والتطمينات ويظهرون في وسائل الاعلام ويسافرون ويتحدثون في المؤتمرات... ولولا جهود الجنود المجهولين لكان وضعنا اصعب بكثير من الوضع الحالي.

الكهرباء تتجاوز المؤشر الاحمر لكن صحة الناس وكرامتهم خط احمر ايضا. ابحثوا في الدفاتر القديمة والملفات الجديدة. ارصدوا مكامن الخلل والاهمال والتقصير. تابعوا كيف رست الصفقات على من رست عليه... تعرفوا لماذا اتى الوزير الى منصبه.

أنار الله دروبنا ودروبكم!



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي