يستمتع الناس في الاستماع إلى قصص وأحاديث المسافرين عند عودتهم، وخاصة إذا صاحبها أحداث ومغامرات، أو إذا كانت إلى مناطق يندر الذهاب إليها، وكنت من أولئك الذين استمتعوا في الجلوس والإنصات إلى أحد القادمين من سفرهم، وهو ليس كأي مسافر وإنما أحد أبطال اسطول الحرية الأخ عبدالرحمن الخراز، هذا الشاب الذي حمل هم الإسلام في قلبه حتى استحوذ على جميع وجدانه، فهو كالنحلة لا يتوقف عن العمل لنصرة دين الله، فمن مشاركة في إعداد الملتقيات الثقافية، والتطوع في إقامة الحملات القيمية، إلى العمل مع المؤسسات الإغاثية، والتي كان من أواخرها مشاركته في أسطول الحرية. حدثنا الخراز في ذلك اللقاء عن العديد من المواقف التي لا يمكن أن تمحى من ذاكرته، ومنها موقف عضو مجلس الشعب المصري الدكتور محمد البلتاجي، حينما سيطر الصهاينة على سفينة مرمرة وقاموا بتقييد جميع الركاب ووضعوهم على ظهر السفينة وفي الشمس الحارقة ولساعات طويلة أدت إلى اصابة البعض منهم بضربة شمس، وكان الدكتور البلتاجي قد أنهكه التعب والظمأ وبدا وهو غارق في عرقه فطلب ممن حوله شيئاً من الماء، وكانت هناك بعض القناني الملقاة على سطح السفينة، فلما وصلت إليه إحداها وأراد شرب الماء رأى أحد المتضامنين الماليزيين وحالته يرثى لها وقد اشتد به العطش، فما كان منه إلا ان أعطى الأخ الماليزي الماء وآثره على نفسه فكان ذلك مثالاً واقعياً على التضحية والإيثار.
ومن المواقف العظيمة ذلك الحرص الشديد من الاخوة الأتراك على سلامة العرب ومنهم الكويتيون حيث طلبوا منهم أثناء وجودهم على السفينة البقاء في أماكن أقل خطراً عند التعرض للاقتحام الإسرائيلي وألزموهم بذلك، بل حتى بعد اعتقالهم رفض الأتراك الخروج من السجن إلا بعد تحرير جميع المتضامنين العرب فكان ذلك أبلغ رد على المروجين لفكرة كره الأتراك الشديد للعرب.
ومن الأحداث التي تدل على شهامة النائب الدكتور الطبطبائي أنه لما فك الصهاينة قيود يده بعد علمهم أنه نائب في البرلمان استطاع الحصول على مقص للأظافر تمكن أحد المتضامنين من اخفائه، فاقترب الطبطبائي من الدكتور أسامة الكندري وحاول قطع القيد إلا أن الصهاينة انتبهوا وآذوا الدكتور الطبطبائي وأعادوا تفتيش المحتجزين مرة أخرى، ولولا لطف الله لوقع ما لا تحمد عقباه.
ومن أعظم ما تأثر به الخراز هو ذلك الاهتمام الرسمي والشعبي بل والعالمي بهم، فلقد مرت بهم لحظات انقطعت فيها أخبارهم عن العالم الخارجي وظنوا أنه لن يعرف مصيرهم أحد خاصة بعد أن قطع عنهم الصهاينة جميع الاتصالات مع الآخرين.
ولكن بعد صعودهم للطائرة الأميرية، التي تكرم صاحب السمو الأمير بإرسالها لتقلهم إلى أرض الوطن، والاستقبال الحاشد في قاعة التشريفات في المطار، والذي كان في مقدمة مستقبليهم رئيس مجلس الأمة، وسمو رئيس مجلس الوزراء، ودعوات التكريم التي لم تتوقف، والمكالمات المتواصلة التي لم تنقطع، والتي كان بعضها من شخصيات لم يكن يتوقعها كرئيس المكتب السياسي لحماس الأخ خالد مشعل، ورئيس الوزراء الفلسطيني الأستاذ اسماعيل هنية، وكان من آخر صور التكريم استقبال سمو أمير البلاد للمشاركين الكويتيين في أسطول الحرية وثناؤه على الواجب الإنساني الذي قاموا به.
يقول الأخ عبدالرحمن متواضعاً، من أنا حتى يتم لي كل هذا الاهتمام والتكريم، فقلت له إنها سنة الله الماضية في رفع وإعلاء شأن ومنزلة كل من لحقه الأذى في سبيل نصرة دين الله، فإن سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام لما لحقه الأذى من أهل الطائف وسلطوا غلمانهم وعبيدهم عليه فرموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، فعاد حزيناً مهموماً، أكرمه الله تعالى بأن عرج به إلى السماء كما هو ثابت في قصة الإسراء والمعراج والتقى بإخوانه الأنبياء، وصعد إلى منزلة لم يتمكن حتى جبريل عليه السلام من الوصول إليها، وكلمه الله تعالى دون واسطة، كل هذا إكراماً من الله تعالى لنبيه، وكأنها رسالة إلى أهل الأرض إن لم تعرفوا قدره، فإن مكانته وقدره محفوظة عندنا. وهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما اتهمت في عرضها أنزل الله تعالى براءتها من فوق سبع سماوات في قرآن يتلى إلى يوم الدين.
فهنيئاً لأخي عبدالرحمن الخراز وإخوانه وأخواته من أبطال اسطول الحرية هذا التقدير والاحترام الذي وجدوه من أعلى المستويات إلى أدناها، وهو قليل في حقهم، بل هو إن شاء الله أقل بكثير مما سيلقونه عند الله تعالى يوم القيامة من الأجر والثواب، فهم الذين خاطروا بأنفسهم من أجل فك الحصار عن إخوانهم ورفع الظلم عنهم، مستجيبين لوصية نبيهم «انصر أخاك ظالما أو مظلوماً»، وأما خصومهم وأعداؤهم والذين شذوا عن الاجماع في الثناء على المشاركين في أسطول الحرية وأحزنهم هذا الاحتفاء الكبير فنقول لهم «قل موتوا بغيظكم».
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com