أوراق ملونة / الشيخة أوراد جابر الأحمد الصباح... «أم المساكين»

تصغير
تكبير
| بريشة وقلم علي حسين الجاسم |

يقول الامام الرازي في تفسيره الكبير: «اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين هما التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله كما جاء في قوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } (الانسان:8-10). فقد عنى الاسلام بأمر الشفقة أو الرحمة بين شرائح المجتمع وأمر بها واعتبرها من مقاصده العظيمة نحو تحقيق التكافل الاجتماعي، ودعى عباده ان يتواصوا بها {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِلصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِلْمَرْحَمَةِ }، لان أهل الرحمة لها جزاء كبير ,فهي آية الرضا من الله تعالى كما بين ذلك حديث المصطفى عليه السلام: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ»، وقد عدد القرآن الكريم صفات أهل الرحمة كما بينها في سورة المؤمنون: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }، صفات دلت على عظم انسانيتهم، فاجتباهم الحق دون سواهم من الناس لصالح الاعمال حتى سماهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم «بمفاتيح الخير» الذين لا تغمض لهم عين وجار لهم مهما كان جنسه او لونه جوعان من خير ما أفاض الله على عباده؟ «مفاتيح الخير» لم يخلو اي مجتمع في التاريخ منهم فهم رحمة الله للناس جميعا لانهم ملكوا من نور الله ما أضاء ظلمة وفرج كربة.

واليوم نستذكر من اهل الرحمة ما صنعوا خيرا لمساكين وفقراء الكويت، ممن حرموا من أبسط وأهم مقومات الحياة التي كفلها لهم الشرع والقانون فباتوا سنينا دون هوية تذكر او شهادة ميلاد او وفاة أوتوثيق عقد للزواج بل منعوا من العمل والتعليم والطبابة، حتى افضى حالهم الى حال المستضعفين في الارض لا يملكون حولا ولا قوة؟ حين نستذكر هؤلاء من سموا يوما «بالبدون» نستذكر يداً رحيمة عطفت فاشفقت فلبت نداء الايمان قبل نداء حقوق الانسان في محافلها، دعت تلك الرحيمة اهل الكويت كبارهم واغنياءهم بان يلتفتوا الى مآسي اصحاب العوز والحاجة، نستذكر ودون ان نزكي على الله احداً الشيخة «اوراد» ابنة امير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح طيب الله ثراه.»شيخة» كان لتحركها الصادق نحو «البدون» ان فرجت على اغلبهم كرب الدنيا ومصائبها فدعى لها اهل الايمان بالمثوبة وطول العمر فسميت منذ ذلك الحين «بام البدون».

كم كنت اصادفها من بعيد في المنتديات الاجتماعية لاهم لها في احاديثها، الا هؤلاء المساكين وانها كانت تقول لمن حولها: «لتبقى... لتبقى الكويت دار عز وخير للجميع»، اراها تنثر الخير بعفويتها وابتسامتها المشرقة وبتواضعها الاصيل دون كبر او خيلاء تلتحف عبائتها الكويتية وحجابها الاسود البسيط، تنشد من وراء مساهماتها الاجتماعية الى حث الاخرين في كل منتدى على فعل الخير وتقديسه وان استكثر عليها البعض امر الاهتمام بشرائح دخيلة كما قالوا؟ لكنها كانت ترد بكل ما ملكت من قوة وبرهان فتكتب لهم: «انهم ابناء رجال اعطوا الكويت عمرهم ودمهم فداءً».

انها «أوراد» الخير «اوراد» الايمان فكم من رب اسرة «بدون» اطلق هذا الاسم المبارك على احدى بناته.

اللهم بارك في اعمالها وسدد على الخير خطاها يارب العالمين.



* كاتب وفنان تشكيلي

[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي