أعتقد أن من أكثر الشخصيات التي حازت الاحترام والتقدير على مستوى عالمنا العربي والإسلامي، بل وحتى الغربي، هي شخصية رئيس وزراء تركيا السيد رجب طيب أردوغان.
هذا التقدير الذي دفع القائمين على جائزة الملك فيصل العالمية لمنح أردوغان جائزة العام 2010 في فرع خدمة الإسلام. وبين أمينها العام الدكتور عبدالله العثيمين السبب وراء اختيار رئيس الوزراء التركي لهذه الجائزة بقوله (ان اردوغان يمثل أنموذجاً للقيادة الواعية الحكيمة في العالم الإسلامي، من خلال جهوده العظيمة والبناءة التي قام بها في المناصب السياسية والإدارية التي تولاها، وأنه أصبح رجل دولة يشار بالبنان إلى نجاحاته الكبيرة ومواقفه العظيمة، وطنياً وإسلامياً وعالمياً).
لقد نشأ أردوغان في ظروف عائلية دفعته لأن يعمل في صباه في بيع البطيخ والسميد في الشوارع كي يشارك والده في تحمل الأعباء المالية للأسرة، وليسعى في توفير مصروفات تعليمه. هذه النشأة التي كان لها الأثر في استشعاره لمعاناة الأسر الفقيرة والضعيفة الدخل، وسعيه لرفع المعاناة عنهم عند توليه المسؤولية.
لقد كسب اردوغان احترام شعبه لأنه حول الأحلام إلى حقائق والوعود الانتخابية إلى وقائع، يكفي أنه في الشأن الاقتصادي، وبحسب بعض الاحصائيات الحديثة، أنه وصل بالناتج التركي من 180 مليار دولار إلى 550 مليار دولار، والصادرات من 36 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، وخفض نسبة التضخم من 30 في المئة إلى 9 في المئة فقط. ولم يغفل أردوغان الجوانب الاجتماعية والأخلاقية في اصلاحاته ولذلك سعى لحل مشكلة الفتيات بائعات الهوى من خلال تأهيلهن نفسياً واجتماعياً، والحاقهن كعاملات في المصانع والشركات.
لقد اتبع اردوغان الحكمة القائلة ان العاقل من اتعظ بغيره، وقد استفاد من تجربة استاذه أربكان والذي قضت المحكمة بحل حزبه ومنعه من الحياة السياسية لأكثر من خمسة أعوام بسبب بعض المظاهر التي اعتبرتها المحكمة تهديداً للعلمانية، ولذلك نجده بدلاً من الصدام المباشر مع الجيش، ومع غلاة العلمانيين، نراه يعلن احترامه لعلمانية الدولة، وبأن حزبه الجديد «حزب العدالة والتنمية» ليس حزباً دينياً وإنما حزباً محافظاً.
لقد سعى أردوغان إلى ادخال الاصلاحات في الشأن السياسي، وإلى تحقيق المزيد من الحريات، وإلى توسيع مساحة المشاركة الديموقراطية وذلك من خلال المطالبة بإلغاء بعض القوانين التي سنها الجيش بعد الانقلاب المسلح عام 1982 والتي كانت تحد من نشاط الأحزاب السياسية، وهو يرى أن هذه الاصلاحات ضرورية من أجل تحقيق الشروط اللازمة للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.
مما تميز به أردوغان أنه لا يجامل أحداً في مسألة الإصلاح حتى المقربين إليه... فبعد نتائج البلديات والتي أشارت إلى انخفاض نسبة التأييد لحزبه قام باستبدال وتغيير تسعة من الوزراء، وأعلن أن المناصب ليست ملكاً لأحد، ولا يمكن أن تدوم لأي انسان مهما كانت مكانته، وأن العبرة في تقلد المناصب هي الكفاءة لا شيء غيرها.
ومما اشتهر به رئيس الوزراء التركي حرصه الشديد على وحدة المجتمع وتماسكه وعدم السماح بتمزيقه، ولذلك سعى لمراعاة الأقلية الكردية وإعطائها بعض الحقوق التي حرمت منها، كما أصدر تعميماً يدعو فيه للتعامل مع الأقليات غير المسلمة على أنها جزء لا يتجزأ من المجتمع التركي، وأن تعتني البلديات بمقابرهم، ووقف أي دعاية تسيء إلى مشاعرهم، أو تغذي مشاعر الحقد والكراهية نحوهم.
لقد كان لأردوغان نصيب من اسمه، فأردوغان وإن كان اسم عائلته إلا أنه كثيراً ما ينادى به، وهو يعني في اللغة التركية الفتى الشجاع، ولقد ظهرت شجاعته في العديد من المواقف والتي عجز الكثيرون عن اتخاذ مثلها، فموقفه الرافض من استخدام القوات الأميركية للأراضي التركية في غزوها للعراق، ونقده المباشر لبيريز في «مؤتمر دافوس» على المجازر التي ارتكبها الإسرائيليون في غزة، وتركه المنصة عندما لم يسمح له باستكمال حديثه، وقوله في «قمة سرت» ان مصير اسطنبول مرتبط بمصير القدس، لهي خير شاهد على شجاعته وبطولته.
إن الاصلاحات المشهودة التي قام بها أردوغان على المستوى المحلي، والمواقف الشجاعة التي اتخذها في الشأن العربي والإسلامي جعلت العديد من أبناء الأمة يعتقد أن اسطورة أردوغان هي من أحلام اليقظة، والتي تتمنى كثير من الشعوب العربية والاسلامية لو تكررت مشاهدتها على أرض الواقع.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
Alfadli-a@hotmail.com