موجودة منذ سنوات وأخذت أشكالاً ومراحل مختلفة وتنامت لأنها لم تجد من يوقفها

ظاهرة العنف بين طلاب المدارس... إلى أين؟

تصغير
تكبير
| كتب عبدالله متولي |

روعت حادثة مقتل طالب بالمرحلة المتوسطة على يد زميل له، المجتمع الكويتي، وجعلت الحزن يخيم على الجميع من هول المصاب خاصة ان الحادثة وقعت في مكان يفترض ان يكون محضناً للوئام والتسامح وبناء الذات وتهذيب السلوك.**

لم يكن الحزن وحده هو الشعور الغالب على الناس فور انتشار الخبر... لكن شعوراً بالأسى والعجز أخذ يتسرب الى النفوس شيئاً فشيئاً حتى تملك من الكثيرين... هذا الشعور كان مبعثه أسئلة كانت في أغلب الأحيان عبارة عن حديث نفسي: لماذا وصل العنف بين طلاب المدارس الى الحد الاقصى من درجاته ومستوياته؟ وأين كانت مؤسسات الدولة وأين كان المجتمع حتى استفحلت هذه الظاهرة حتى وصلت الى حد القتل؟ وكيف تتم معالجة هذه القضية وتوابعها التي ستستمر لسنوات طويلة؟ ثم من المتسبب في وجود ظاهرة العنف بين طلاب المدارس الذين يفترض فيهم ان يكونوا على النقيض تماماً؟ وعلى من تقع المسؤولية في وجود مثل هذه الظواهر السلبية بين المراهقين والشباب؟ واذا كان هذا هو حال الناشئة فكيف سيكون المستقبل؟

هذه الأسئلة وغيرها من المؤكد انها كانت محور الحديث والتفكير حول هذه القضية خلال الايام الماضية.

لكن قبل محاولة الاجابة عن هذه التساؤلات وتحديد الاسباب والمسؤوليات وسبل العلاج، لابد من توضيح معنى العنف كما عرفته النظريات المختلفة بأنه: كل تصرف يؤدي الى إلحاق الاذى بالآخرين، وقد يكون الاذى جسمياً أو نفسياً، فالسخرية والاستهزاء من الفرد وفرض الاراء بالقوة واسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.

والملاحظ ان ظاهرة العنف بشكل عام قد شهدت تطوراً كبيراً في الاونة الاخيرة ليس فقط في كمية أعمال العنف وانما في الأساليب التي يستخدمها الطلاب في تنفيذ السلوك العنيف.

وبناء على تعريف العنف، وملاحظة تطوره بين طلاب المدارس، فإننا نؤكد من خلال استقراء الواقع ومتابعة الأحداث ان ظاهرة العنف في المدارس سواء في المجتمع الكويتي أو في المجتمعات العربية، موجودة منذ سنوات طويلة وأخذت أشكالاً ومراحل مختلفة، وتنامت وتطورت وقفزت قفزات واسعة لكنها قوبلت بتجاهل كبير من المجتمع بشكل عام سواء كان هذا التجاهل عن علم بالظاهرة رافقه التهوين بنتائجها ومخرجاتها، أو عن جهل بها وبأسبابها ودوافعها لانشغال المجتمع بالسباق المادي المحموم الذي فرض على مجتمعاتنا وأقحمت فيه حتى أفقدها الكثير من عاداتها ومبادئها وجزءا كبيرا من هويتها التي كانت الحصن الحصين لها في مواجهة اي سلوك خارج إطار القيم المجتمعية.



المشهد الأخير

لقد ظل المجتمع يتهاون في تعامله مع ظاهرة العنف بين المراهقين والشباب وخاصة بين طلاب المدارس حتى افاق بعد ظهر الثلاثاء 11/5/2010، والمشهد كان نهاية الدوام المدرسي في مدرسة عبدالله مشاري الروضان المتوسطة في منطقة القصور، خروج الطلاب من المدرسة وبدلاً من ان يودع بعضهم البعض بالسلام والمحبة على أمل اللقاء في صبيحة اليوم التالي، والبعض الآخر يتحاور فيما دار من نقاش داخل الفصل حول نظرية علمية او موضوع تربوي جذب اهتمام الطلاب، او حتى يجلس البعض الآخر في انتظار والده او السائق ليصطحبه الى البيت، فأخذوا يستغلون وقت الانتظار في اللهو المباح، ومن يصل والده يستأذن زملاءه واصدقاءه وينصرف ملوحاً لهم انهم سيكملون غداً بعد نهاية الدوام... لكن المشهد تم اخراجه بطريقة مأسوية أشبه بأفلام الرعب التي تعتمد على عنصر «الصدمة» للمشاهد لأنه لم يكن يتوقع نهاية المشهد بالطريقة التي أخرج بها... وهذا ما حدث تماماً كما نشرت «الراي» يوم الأربعاء 12/5/2010 واصفة المشهد بأن المجني عليه سقط غارقاً في دمائه بين يدي شقيقه بعد ان أرداه زميله بطعنة مباشرة الى قلبه كانت كفيلة بإنهاء حياته في الحال، وفر الجاني هارباً على مرأى ومسمع من التلاميذ وأولياء الأمور.

هذا كان مشهد النهاية.

وهذه النتيجة الدامية كان لها مقدمات تمثلت في خلافات صبيانية بين الطالبين (الجاني والمجني عليه) لم تستطع الأيام اذابتها - كما قالت «الراي» - فقال القدر كلمته وحانت الساعة فتشابك الطالبان بالأيدي، وما هي إلا لحظات حتى أشهر أحدهما سكيناً وسدد الطعنة القاتلة الى زميله.



أسباب ونتائج

نعود إلى الاسئلة التي دارت في رؤوس الناس فور علمهم بهذه الواقعة، ونرى انه من الطبيعي ان نبدأ بالاسباب المؤدية لظاهرة العنف بين الطلاب وكما يراها الأكاديميون والمنظرون ومعدو الدراسات والابحاث ذات الصلة بهذا الموضوع، وعليه فإن البعض يرى أن اسباب تفشي ظاهرة العنف تتمثل في:

1 - عدم وجود وعي وفهم كافيين عند الطلاب لطبيعة وهدف المدرسة وعدم ادراكهم انها تجمع علمي هدفه العلم وبناء الذات.

2 - وجود خلل في الأساليب التربوية المتبعة في المدرسة والتي من شأنها تقوية الروابط بين الطلاب.

3 - سوء معاملة المدرسين للطلاب وخاصة اتباع أسلوب التفريق بين الطلاب ما يمكن لنمو مشاعر الغيرة والكره بين الطلاب ويقود في النهاية الى الصدام المباشر.

4 - الاختلاف في وجهات النظر وفي الطبائع يمكن أن تولد شرارة للعنف.

5 - التنافس العلمي بين الطلاب أحياناً يولد مشاعر الغيرة وهي بدورها تدفع الطلاب للتصادم.

6 - عدم وجود استقرار أسري داخل أسر بعض الطلاب وكثرة المشاكل الأسرية تشحن نفس الطفل وتجعله عصبياً ومضطرباً ما يدفعه لارتكاب المشاجرات مع أقرانه للتنفيس عن الاحتقان الناتج عن توترات داخل الأسرة التي ينتمي إليها.

7 - البعض يتبع أسلوب العنف لاثبات نفسه وهذا أمر مرده الى وجود شعور بالنقص في نفس الطفل وهذا الشعور ينتج عن سوء التربية الأسرية للطالب.

وأصحاب هذه النظرية يرون أن العنف بين الطلاب وفقاً للأسباب السابقة ينتج عنها الآتي:

1 - تعرض الطلاب إلى إيذاء جسدي ومعنوي يؤثر بشكل مباشر عليهم.

2 - تعرض بعض الطلاب إلى تدهور في ثقتهم بأنفسهم، خصوصا ان كانوا هم الجانب الأضعف دوماً في الشجار.

3 - تراجع ملموس في المستوى التعليمي للطلاب الممارسين للعنف وتحول تركيزهم عن الدراسة إلى الشجار.

4 - تأثر الطلاب الآخرين بعنف بعض الطلاب ما يؤهلهم مستقبلاً ليتحولوا إلى طلاب عنيفين.

5 - العنف داخل المدرسة يمكن أن ينتقل إلى خارجها ويكون أشد خطورة (وهذا قد حدث بالفعل).

6 - الإساءة إلى هيئة المدارس وإلى رسالتها السامية.

ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه على أنه أمام هذه النتائج الوخيمة لا بد من أن يكون هناك تحرك سريع ومدروس من قبل إدارة المدرسة بالتعاون مع الأهل لوضع حلول جذرية للمشكلة والقضاء عليها قبل استفحالها ووصولها إلى مرحلة لا يجدي معها أي معالجات لأنها ستكون القاصمة (كما حدث).

وقد وضعوا بعض الأمور المساعدة على حل مشكلة العنف بين الطلاب، ومنها:

1 - سرعة التحرك لاحتواء أي شجار ينشأ بين الطلاب وعدم إهمال الأمر كي لا يتفاقم.

2 - دراسة الحالة النفسية للطلاب العنيفين والمثيري الشغب من خلال اختصاصيين تربويين ونفسيين لمعرفة أسباب الشجار.

3 - التواصل مع أولياء الأمور والتعاون معهم لوضع أفضل الحلول لهذه المشكلة.

4 - تحسين الأساليب التربوية والتوعية للطلاب.

5 - الاهتمام بطريقة تعاطي المدرسين مع الطلاب والابتعاد عن الأساليب التي تؤدي إلى التفرقة والإهانة للبعض.

6 - تخصيص حصص تربوية وتأهيلية للطلاب في محاولة لتفريغ شحنات الغضب في نفوسهم.

7 - محاولة التعاون مع الأهل لحل المشكلة التي قد يعاني منها بعض الطلاب خارج المدرسة.

وأكد أصحاب هذا التوجه أنه قد لا نتمكن من منع العنف نهائياً ولكن من المؤكد اننا نستطيع الحد منه ووضعه في اطار نوعا ما مقبول.



جهات مسؤولة

هذه هي أسباب ونتائج وحلول ظاهرة العنف في المدارس كما يراها الأكاديميون والمنظرون، لكن هناك أسباباً لم يتكلم فيها أحد، وان اقترب منها تكلم بشكل سطحي.

وهنا سنحاول من وجهة نظرنا أن نوضح دور بعض الجهات ومسؤوليتها عن تفشي ظاهرة العنف في المدارس... وبالطبع سنقصر الحديث على الجهات والأشخاص وتبقى الصلة المباشرة مع الطلاب، ومنها:

أولاً: المعلم... من المؤكد أن بعض المعلمين يتحملون مسؤولية مباشرة في تفشي ظاهرة العنف بين الطلاب، وقبل أن يتهمنا البعض بالتجني على المعلم والقسوة عليه رغم ما يتحمله من مشاق في سبيل تأدية رسالته، نقول: عندما تهاون المعلم في علاقته مع الطلاب، ووصل الأمر ببعضهم إلى التعامل مع الطالب كصديق أو صاحب، وأصبح للمصالح الشخصية مجال بين المعلم والطالب، فتقلصت مساحة الاحترام، واختفت رهبة الطالب من معلمه... عندما يصل الأمر في العلاقة بين الطالب والمعلم إلى هذا الحد من المؤكد أن تأثير المعلم في طلابه سينعدم ويفلت زمام أمرهم لأن الرقيب (المعلم) دوره يكاد يكون منعدما... ولن يستطيع أن يكبح جماح الطالب المثير للشغب أو العنف.

ثانياً: المدرسة... عندما تتهاون المدرسة في مسؤولياتها التربوية، ولا تتخذ مواقف رادعة وصارمة في مواجهة صاحب السلوك الشاذ عن المنظومة التربوية، وان عاقبت يكون العقاب غير مناسب للخطأ، والبعض أحياناً يقبل الوساطات ويعمل ألف حساب للموازنات... وساعتها يشعر الطالب (الحدث) بالزهو والانتصار... فيكرر الخطأ مرات ومرات وبأساليب ووسائل أشد لأنه أمن العقاب فأساء التصرف والسلوك والأدب.

وعندما يكون هذا هو حال المدرسة فلماذا نتساءل عن تفشي ظاهرة العنف المدرسي؟

ثالثاً: وزارة التربية... لقد فقدت معظم وزارات التربية والتعليم في العالم العربي كثيرا من دورها التربوي وحتى التعليمي، وأصبحت مجرد جهاز إداري أكثر ما يشغله هو تنظيم التحاق الطلاب بالمدارس وتخرجهم فيها وتوفير المعلمين والأبنية التعليمية والكتب والمناهج التي عليها الكثير من علامات الاستفهام، إن وزارات التربية لم تقدم شيئاً ملموساً في مواجهة ظاهرة العنف في المدارس وبين الطلاب، هذه الظاهرة التي أطلت برأسها منذ سنوات وأخذت في النمو والتطور من دون أن تحاول القضاء عليها أو الحد فيها... وعليه فإن وزارات التربية والتعليم تتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية عن تفشي العنف في المدارس.

رابعاً: الأهل... إن دور الأسرة أو أهل الطالب هو الأهم والأبرز في تحوله إلى السلوك العنيف... وهذا الدور يتخذ أشكالاً كثيرة، منها إهمال الطالب وعدم متابعته في المدرسة، ومعرفة أحواله العلمية والسلوكية، والأخطر من الاهمال هو محاولة الأهل الانتصار لابنهم حتى ولو كان مخطئاً، والسعي بكل السبل لعدم معاقبته مهما كان خطأه، ومن يرد التأكد من ذلك فليسأل مخافر الشرطة عن كم معلم تم أخذه من المدرسة مخفورا في أيدي رجال الشرطة لأنه ضرب طالبا...! وطبعاً هذا بمساعدة إدارة المدرسة التي تتقاعس في الدفاع عن المعلم لابعاد المشكلة عن دائرة اختصاصها، ولأن المعلم يكون دائماً هو الحلقة الأضعف في القضية...!

ثم يتساءلون بعد ذلك عن السبب في ممارسة الطلاب للعنف بالمدارس!

هؤلاء هم أصحاب النصيب الأكبر في مسؤولية انتشار العنف في المدارس. وهناك بالتأكيد مسؤوليات أخرى للإعلام والمجتمع بكل مؤسساته، كلنا يا سادة شركاء في المسؤولية ويلزمنا في مثل هذه القضايا ألا نتهرب ونلقي باللوم على الآخرين ويتوقف دورنا عند التنظير والتصريحات والبيانات لمجرد الظهور في الصورة وإيهام الناس بالمشاركة في وضع الحلول الناجعة لهذه الظاهرة أو غيرها... اننا في حاجة إلى حلول مخلصة ليوفقنا الله في النتائج.



موقف الإسلام من العنف

إن تعاليم الإسلام تدعو إلى بناء الإنسان وبناء المجتمع بناء طيباً صالحاً يعيش فيه الإنسان بطمأنينة، حيث تنهي عن الرذيلة وتحارب الفساد وتدعو إلى الفضيلة وحسن الخلق والتخلق بالأخلاق الحسنة، والتخلق بالأخلاق الحسنة هو عنوان رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ورب العزة يصفه في كتابه العزيز بقوله تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم».

وحسن الخلق قرب من الله سبحانه وتعالى وقرب من رسوله.

فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً، الموطأون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون».

ولا عجب أن يطلب صاحب الخلق العظيم من المسلمين أن يتحلوا بالأخلاق الحسنة. فهو يقول: «انكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحُسن الخلق».

ورأي الرسول في المؤمن واضح. فهو يقول: «مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيباً، ولا تطعم إلا طيباً».

وموقف الإسلام واضح في هذا الشأن، فهو يدعو إلى اللين والرفق والتسامح وحُسن المعاملة وينبذ كل مظاهر العنف والقسوة، ففي سورة فصلت، آية 34، يبين الله سبحانه وتعالى النهج الذي يريده ممن يدعو لدينه، فهو يخاطب نبيه قائلاً: «ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، فهو يطالب في هذه الآية بمقابلة الاساءة بالإحسان والذنب بالغفران، وهذا التصرف حري بإنهاء العداوات وتقريب القلوب، وفي موقع آخر يقول: «وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المجال: «اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، ويقول أيضاً: «صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء اليك، وقل الحق ولو على نفسك، عد من لا يعودك، واهد لمن يهدي اليك».

ويدعو الإسلام إلى الصبر على مقاطعة الآخرين وإلى هجرهم هجرا جميلاً، يقول تعالى: «واصبر على ما يقولون، واهجرهم هجرا جميلاً»، وتعني الآية بالهجر الجميل، الهجر الذي لا يغلق أبواب الأمل في رجوع المياه إلى مجاريها بين المتباعدين، ويدعو أيضاً للعفو والصفح فيقول: «فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين».



أسلوب الإسلام لمنع العنف

في بحث للدكتور جمال ماضي أبوالعزايم أحد علماء الصحة النفسية على مستوى العالم يقول في هذا الموضوع:

كلمة الإسلام مشتقة من كلمة «السلام» ويشكل السلام أحد الأركان المهمة في العقيدة الإسلامية. وقد ذكرت كلمة «السلام» في القرآن أكثر من 14 مرة، ويؤكد الإسلام على نبذ العنف والقتل ويقول القرآن «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» (السورة 5 - الآية 32)، وقد بين النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه السلوك الصحيح للمسلم فقال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، وقد أشار القرآن لهذا الموضوع في مراحل الوقاية الثلاث.



الوقاية الأولية

يبدأ اسلوب الإسلام في الوقاية من العنف قبل الميلاد حيث يوصي الزوج باختيار شريكة حياته من مجتمع جيد مسالم فيقول الحديث الشريف «تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» «كما يوصي الرسول بتجنب زواج الأقارب فيقول الحديث الشريف «اغتربوا لا تضووا».

ويوصي الرسول صلوات الله عليه - الشباب الا يتزوج فتاة لجمالها فقط اذا كانت قد نشأت في بيئة سيئة لأن مثل هذه الفتاة تشبه زهرة نمت في بيئة فاسدة فيقول «اياكم وخضراء الدمن وهي المرأة الجميلة في منبت السوء» وهذه الوصايا لتجنب الجينات المريضة».

ويعطي الإسلام للأيام الأولى في الحياة أهمية خاصة ففيها تشكل شخصية الفرد ولهذا السبب يؤكد الإسلام على اهمية هذه الأيام ويحرص على نضج الأخلاقيات والسلوك الحميد وتنشيط الارادة.

ويؤكد الرسول صلوات الله عليه على التأكيد لتعليم الابناء مبادئ الصلاة قبل السابعة، وهذا يتطلب النظافة والوضوء وقراءة القرآن وتقليد سلوك الوالدين اثناء الصلاة والاستماع اليهم وهم يقرأون القرآن والاجابة عما يوجه اليهم من اسئلة اثناء هذه الفترة الحرجة من العمر.

وتؤدي هذه الخطوات إلى النضج السريع الصحي الخالي من العدوان والعنف والذي يتسم بالسلام والحب والطاعة وهذه الوقاية الأولية مسؤولية عدة اطراف، فالوالدان والأسرة يأتيان أولا يليها المدرسة والنادي والجيران والاصدقاء والزملاء ووسائل الإعلام والقادة أو الزعماء في كل منطقة. كما انها لها اهمية كبرى في أماكن العبادة كالمساجد.



الوقاية الثانية:

قد ينشأ العنف في كثير من الاسباب المرضية سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو عضوية أو اقتصادية أو غير ذلك. والتشخيص المبكر مهم جداً لمعالجة هذه الأمراض المختلفة والتعامل معها. ولا بد للمجتمع ان يكون مستعداً لاقامة مراكز العلاج اللازم لمواجهة هذه الحالات واعطاء العلاج المبكر والمتابعة. ولا بد للطبيب النفسي والاخصائي النفسي والاخصائي الاجتماعي والمرشد الديني ان يعملوا كفريق واحد في هذه المراكز.

ويؤكد القرآن هذا الاتجاه حيث يقول «ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون» السورة 3 الآية (104).

وإذا نجح المجتمع في تحقيق هذه الأهداف فان مشكلة العنف سوف تقل... ان العنف يولد العنف، ولا بد للجهات المعنية ان تعالج هذه الظاهرة في جميع المجالات. فلا بد من تحليل العنف ومعرفة دوافعه ومعالجتها حسب طبيعتها. ويقول القرآن «ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم».



الوقاية الثالثة:

قد تستمر حالات العنف بسبب خطأ العلاج أو غير ذلك من الأمراض وهذه الحالات تحتاج التأهيل والعلاج في مراكز خاصة تستعمل احدث الاجهزة والاساليب التي من بينها الاسلوب الديني. ولا بد للمجتمع ان يسهل انشاء هذه المراكز وتبني سياستها الوقائية على الاسلوب الاجتماعي الديني.

ولا بد ان تبتعد هذه المراكز عن المفاهيم القديمة على اعتبار انها مراكز للعقوبة ويؤكد القرآن على هذه المبادئ فيقول: «ولا تؤتوا السفاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا» والكثير من الحالات تستجيب للوقاية الثالثة ويعودون إلى المجتمع الذي يجب عليه ان يسهل حياتهم ويقبلهم كمواطنين عاديين وهذا يتطلب القيام بدور المتابعة لتجنب النكسة.



دور العدالة في الوقاية من العنف

لقد وضع الإسلام حدودا معينة لا يجب تجاوزها كما ان هناك انواعاً خاصة من العقوبة تطبق على من يتجاوز هذه الحدود وذلك لتحقيق التوازن في المجتمع وللحيلولة دون احتمال الأخذ بالثأر. ولكن على الرغم من كل هذه الاحتياطات فإن الإسلام يشجع الناس على التسامح والعفو، وهذا الاتجاه يساعد على تقوية صلابة شخصية الفرد المسلم واستقرارها ويقول القرآن في هذا المعنى «فمن عفاواصلح فاجره على الله».

ان الإسلام عندما يوفر قاعدة عريضة لمقاومة العنف فإنه يكون بذلك قد حفظ حقوق الأفراد واكد على التزاماتهم ويكون بذلك قد ساعد على إيجاد مجتمع متوازن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي