كان على الباحثين زيادة جرعة العناية بمخطوطاته وقصاصاته

ضوء / أخطاء إملائية وإجرائية... في ديوان «صور وسوانح» للشاعر الراحل أحمد العدواني

تصغير
تكبير
| عامر الفالح |

يبقى الأدباء والمثقفون والعلماء هم ثروات البلدان وكنوزها التي سيخلِّدُ التاريخ نفائسهم وإبداعاتهم على مر الزمن جيلا بعد جيل، ولما كان الأدب ما يميز الكويت بين البلدان العربية فهي الأرض التي أنجبت فهد العسكر وصقر الشبيب وعبدالله العتيبي والشاعر الكبير احمد العدواني وغيرهم الكثير، فكان ولا بد ان يكون الاعتناء بتراثهم جزءا لا يتجزأ من العمل الوطني الحكومي لا أن يبقى رهن المبادرات التطوعية والبحثية لبعض الباحثين الأكاديميين، الذين نتوجه لهم بالشكر الجزيل على مبادراتهم واعتنائهم بموروث الكويت الثقافي الأدبي خاصة وبقية الفنون الأخرى.

كان وما زال هذا التراث الثقافي يميز الكويت ويشار لها بالبنان بفضل هذا الأديب وذاك الشاعر، لذا فإن ما خلفه المثقفون الراحلون من تركات فكرية وأدبية وثقافية هي ثروة خالصة للبلد، وليست تركة محصورة لورثته وعصبته تتصرف بها أو تخفيها، لا سيما إذا كان هذا الاسم رمزا وطنيا وضع بصماته الأدبية في سجل الثقافة الخالدة للكويت.

الأديب الراحل احمد مشاري العدواني- من منا لا يعرف هذا الاسم- الذي تغنت بأبياته حناجر المغنين الوطنيين والعرب أمثال شادي الخليج وغريد الشاطئ وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، بل إن النشيد الوطني الكويتي الحالي من صنع أنامله الرائعة وإن كانت المكتبة الثقافية فقيرة بدواوين مطبوعة له كثيرة، إلا أن مخطوطاته اعتنى بها بعض الباحثين في ما بعد، وكانت ثمراته ديوانين شعريين أحدهما بعنوان «أوشال» جمعه الدكتور خليفة الوقيان والدكتور سالم عباس، ثم كان آخر ما اعتنى به هذا الثنائي ديوان «صور وسوانح» وهو عبارة عن قصاصات للراحل مخطوطة لم يشأ طباعتها، أو كانت خواطر غير مكتملة النص في النهاية تبقى مشروعا غير مكتمل المعالم للراحل، نلتمس له ألف عذر بأنها بقيت رهينة الأدراج.

ولأنه أيضا من اهتمامات مركز البحوث والدراسات الكويتية الذي يترأسه الدكتور عبدالله يوسف الغنيم، هو الموروث الثقافي للكويت فقد ارتأى أن يقدم للقارئ العربي كنزا ثقافيا آخر للشاعر أحمد العدواني، كما قدم من قبل الإصدار السابق «أوشال» للباحثين نفسهما وهما الدكتور خليفة الوقيان والدكتور سالم عباس واجتهدا في الاعتناء بهذا الديوان الجديد، إلا أن هذا الجمع لما تبقى من قصاصات ومخطوطات للراحل كان بنفس الملاحظات التي خرج بها «أوشال» أو تزيد عنها بقليل.

في البداية يجب أن نقر بأنه ليس كل ما هو مخطوط وبقلم الراحل كان صالحا، لأن يكون مادة علمية صالحة للنشر فأي شاعر أو أديب عموما لو جمعنا قصاصاته ومخطوطاته التي يركنها جانبا أو يحفظها أو يرميها لكونها لا تصلح للنشر أو يتأنى في نشرها، فهي كثيرة بل هي أضعاف ما يعتمدها الشاعر ويقرر أن تكون صالحة للنشر، ويقدمها للقارئ على هيئة ديوان أو قصة أو رواية، وهذه هي حال الراحل أحمد العدواني فقد كانت هذه القصاصات عبارة عن مسوَّدات لمشاريع لم تكتمل وهي في طور التشطيب والتعديل والحذف والزيادة، وهذا يظهر من صور بعض هذه القصاصات التي سنرفقها في هذه الدراسة المتواضعة، فالقارئ يلاحظ الشطب على هذه القصاصات والخطوط التي تغير ملامح الكلمات وهي بلا شك ليست مكتملة الملامح والعتب هنا نتوجه به للأديبة دلال الزبن زوجة الراحل، التي تصرفت بهذا الإرث الأدبي مع أننا نعتبر هذا الإرث هو ملك خالص للكويت، وليس ملكا لأحد حتى وإن كان زوجته وأبناده.

إن ما نشر بعد الاعتناء بهذه القصاصات والمخطوطات ليس مسؤولا عنها الراحل أحمد العدواني، فليس لأحد التصرف في هذه المخطوطات إلا إذا تم ترميمها ترميما كاملا لا نقص فيه أو عثرات أو سقطات وأخطاء إملائية وغيرها من الأخطاء، بل المسؤول عنها من قام بالاعتناء بها وهما الباحثان الدكتور خليفة الوقيان والدكتور سالم عباس بالاشتراك مع قرينة الراحل الأديبة دلال الزبن، التي سلمت هذه القصاصات والمخطوطات لمركز البحوث والدراسات الكويتية، فالراحل أحمد العدواني كان هو الأولى بأن يتصرف فيها طباعة وحذفا فتكون المسؤولية عليه بالكامل.

الكثير من هذه القصاصات لم يتوصل الباحثان لقراءتها جيدا، إما لأن الخط كان رديئا أو لأن هذه المخطوطات بالية وتغيرت بفعل عوامل الزمن فيكتفي الباحثان باستبدال بعض الكلمات غير المفهومة او المقروءة بالنقاط التي تشير بأن هاهنا سقط في الكلمات، وهذا لا يصلح في صنعة الشعر إطلاقا فلا مجال لأن تترك الأمور لتخمين القارئ يضع ما يحلو له من كلمات تتناسب مع الوزن والمعنى، فالأولى أن يتم استبعاد أي قصائد غير مكتملة البنيان، لأنها لن تضيف شيئا للقارئ ولن تضيف شيئا للشاعر أيضا بل ربما أساءت له.

الأخطاء الإملائية التي لا تخلو منها أي قصيدة أو نص ومثلها الأخطاء في تنسيق القصائد، فعلى سبيل المثال قصيدة «لا يغرنك»، وقصيدة «قل لمن» كتبهما الراحل من الشعر العامودي من بحر المديد، إلا ان تنسيق القصيدتين كان سيئا فلا توحي لك بأنها قصائد عامودية، وبعض القصائد الأخرى كانت منسقة جيدا.

قوافي كثير من القصائد كانت في المسودات والقصاصات، خصوصا التي تنتهي بتاء مربوطة، والتي يقف عندها الشاعر على حرف الهاء كالكلمات مثل «نجمه، ظلمه، مسحوره، مطموره» وغيرها... كان الأفضل للباحثيْن كتابة التاء برسمها الكامل مع تشكيلها بسكون علامة الوقف عليها كالهاء فهي في الأصل تاء مربوطة.

الشعر له خصوصية في الاعتناء به صفا وإخراجا وتشكيلا، فهو يتأثر بحركات الحروف فإن كانت هذه الحركات أخطاء جليَّة لن يستقيم الشعر والوزن بها، فهناك أخطاء في صف القصائد وإخراجها منها ما هو يتعلق بالصف والطباعة فبعض الكلمات متصلة مع بعضها توحي بأنها كلمة واحدة وهما كلمتان مفصولتان ففي صفحة 61 قصيدة «أنا وانت» في السطر الثالث كلمة «قد عبرنا» كتبت بهذه الصورة «قدعبرنا» بلا مسافة بينهما. وفي صفحة 72 السطر الثالث كلمة «صدره» كتبت مرفوعة وهي منصوبة لكونها مفعولا به وفي صفحة 77 السطر الخامس حرف «لم» تم تشكيله خطأ بكسر اللام وتسكين الميم، وفي صفحة 100 السطر السابع كلمة «النعم» كتبت مشكولة بكسر النون فقط دون تشديدها وفي صفحة 117 كلمة «والحب» تم تشكيلها بالفتح وهي بتشديد الفتح «والحبَّ»، وفي الصفحة نفسها «منذ» تم تشكيل الذال بالسكون وهو خطأ. جميع هذه الأخطاء كانت في الكلمات التي تم تشكيلها وهي قليلة جدا في الديوان، أي أنها لو تركت بلا تشكيل كان أفضل بكثير من تشكيلها بهذا الصورة المشوهة.

كان على الباحثيْن زيادة جرعة العناية بالمخطوطات والقصاصات اكثر، وذلك بتشكيل الكلمات غير المشكَّلة لأن تشكيل الحروف مفتاح للشعر الفصيح وله خصوصية في ذلك، وأن تظهر لمسات الاعتناء بهذا الديوان من خلال تشكيل مفرداته أو التعليقات والحواشي على بعض الكلمات والتعابير، وهي من أصول البحث العلمي في تحقيق النصوص الشعرية والدواوين المخطوطة وهذا ما افتقده الديوان من لمسات العناية به.

تلك كانت وباختصار بعض التعليقات التي دونتها بعد قراءة مسحية ناقدة لهذا الديوان، ربما كان متأخرا فالديوان قد تم نشره قبل ثلاث سنوات تقريبا، إلا انني لم أحصل عليه إلا متأخرا ما أردنا منه سمعة ولا رياء ولكن خدمة لهذا الرمز الثقافي الراحل أحمد العدواني، وصون موروثه الرائع من هذه الأخطاء التي نتمنى أن ينتبه لها الناشر في طبعاته المقبلة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي