التعديل والتوقيت ... والإمارة الدستورية


لا أشك لحظة في النية الصادقة للنائب الفاضل علي الراشد من خلال طرحه افكارا لتعديل الدستور، ولا اسمح لنفسي بأن اناقش المنطلقات الوطنية التي أملت عليه هذه المبادرة، فموقفي معروف من الذين يوزعون شهادات الوطنية ويصنفون الناس ويزرعون الانقسامات.
الرجل حر في قول ما يريد وحر اكثر في التعبير عما يريد وبالطريقة التي يريدها.
ولكن ما يعنينا في هذا السجال هو عرض وجهة نظر هادئة في ما يتعلق بقضية مصيرية. باختصار: نحن مع تعديل الدستور كمبدأ مئة في المئة، وضد توقيت التعديل المطروح اليوم مئة في المئة.
الدستور نفسه سمح بتعديلات لاحقة من اجل التطوير والمزيد من الحريات. دساتير العالم كلها سمحت بذلك وتحديدا دساتير العالم المتحضر. والطريقان لذلك كانا: «الضرورة العامة والمصلحة الملحة» وليس الاجتهاد الفردي او الفئوي من جهة، و«الاتفاق العام» من خلال الغالبية وليس الاجماع من جهة اخرى. فإذا أجمعت اطياف الامة على مفهوم موحد للضرورة العامة والمصلحة يبقى الاجماع على الظروف المناسبة التي تسمح باتفاق عام من خلال التعبير الشعبي الديموقراطي. هنا تحصل استفتاءات، وهناك يشترط الدستور آلية برلمانية - حكومية، وفي امكنة اخرى تكون المجالس النيابية سيدة نفسها، ناهيك عن الانظمة التي يتغير فيها الدستور وفقا لمشيئة «القائد» مع تبصيم مضمون من الممثلين الصوريين للأمة.
في الكويت الامر يختلف. الدستور وضع آليات واضحة وديموقراطيتنا ولله الحمد ليست صورية ونوابنا لا يفرزهم حزب حاكم الى البرلمان. نتفق جميعا على الضرورة العامة والمصلحة في التعديل والتطوير، لكن الاجماع على التوقيت غير موجود والظروف السياسية الانقسامية الحادة لا تسمح.
مجددا، لا نشك في نية النائب الفاضل علي الراشد، لكن قبل الراشد وبعده والى يمينه ويساره نسمع اصواتا تجعلنا نكتشف بكل بساطة ان وراء الأكمة ما وراءها وان قضية كبيرة بحجم تعديل الدستور يراد لها ان تدخل في اطار ايجاد حلول لمشاكل سياسية وظرفية وليس في اطار التعديل لمزيد من التطوير والحريات. راقبوا فقط المواقف التي انتقلت من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين في موضوع التعديلات الدستورية، واربطوها بالتطورات السياسية والاستجوابات... تجدوا انها مواقف تحصر الهدف السامي للتعديل في اطار العلاقة بين السلطتين لا في الاطار الشمولي الذي وضعه المشرع، وهذا ارتجال لا يليق بالكويت ولا بالكويتيين ولا بدستورهم.
وفي اقتراحات تعديل الدستور تفاصيل صغيرة، لا ارى شخصيا انها تؤدي الى الهدف الكبير. زيادة الدوائر والنواب وآليات الاستجواب وعدد الموقعين على طلبات الاستجواب وطرح الثقة وغيرها وغيرها. تفاصيل صغيرة لها بالتأكيد اغراضها السياسية لكنها دون الآمال والطموحات بعد 48 سنة من وضع الدستور. اما عناصر الضرورة والمصلحة والاتفاق الموجبة لأي تعديل حقيقي فأعتقد انها تختصر بهدف واحد: الامارة الدستورية.
ومن باب الواقعية السياسية والقراءة الموضوعية والتحليل المنطقي اقول ان الامارة الدستورية صعبة التحقيق اليوم، فهذا الهدف يحتاج الى سيادة ثقافة سياسية مختلفة تماما والى خطوات تطويرية حقيقية للنظام السياسي في اتجاه بلورة كتل وطنية جامعة شاملة رافضة للعنصريات والغرائز الطائفية والمناطقية والقبلية وصولا الى الاحزاب وسلطة الغالبية ومعارضة الاقلية.
... وربما كان الانحطاط السياسي الذي نعيشه اليوم وسيلة مقصودة من وسائل تأجيل التطور الى الامارة الدستورية وعرقلة الولادة الطبيعية للتعديلات الأهم التي ارادها المشرعون.
جاسم بودي
الرجل حر في قول ما يريد وحر اكثر في التعبير عما يريد وبالطريقة التي يريدها.
ولكن ما يعنينا في هذا السجال هو عرض وجهة نظر هادئة في ما يتعلق بقضية مصيرية. باختصار: نحن مع تعديل الدستور كمبدأ مئة في المئة، وضد توقيت التعديل المطروح اليوم مئة في المئة.
الدستور نفسه سمح بتعديلات لاحقة من اجل التطوير والمزيد من الحريات. دساتير العالم كلها سمحت بذلك وتحديدا دساتير العالم المتحضر. والطريقان لذلك كانا: «الضرورة العامة والمصلحة الملحة» وليس الاجتهاد الفردي او الفئوي من جهة، و«الاتفاق العام» من خلال الغالبية وليس الاجماع من جهة اخرى. فإذا أجمعت اطياف الامة على مفهوم موحد للضرورة العامة والمصلحة يبقى الاجماع على الظروف المناسبة التي تسمح باتفاق عام من خلال التعبير الشعبي الديموقراطي. هنا تحصل استفتاءات، وهناك يشترط الدستور آلية برلمانية - حكومية، وفي امكنة اخرى تكون المجالس النيابية سيدة نفسها، ناهيك عن الانظمة التي يتغير فيها الدستور وفقا لمشيئة «القائد» مع تبصيم مضمون من الممثلين الصوريين للأمة.
في الكويت الامر يختلف. الدستور وضع آليات واضحة وديموقراطيتنا ولله الحمد ليست صورية ونوابنا لا يفرزهم حزب حاكم الى البرلمان. نتفق جميعا على الضرورة العامة والمصلحة في التعديل والتطوير، لكن الاجماع على التوقيت غير موجود والظروف السياسية الانقسامية الحادة لا تسمح.
مجددا، لا نشك في نية النائب الفاضل علي الراشد، لكن قبل الراشد وبعده والى يمينه ويساره نسمع اصواتا تجعلنا نكتشف بكل بساطة ان وراء الأكمة ما وراءها وان قضية كبيرة بحجم تعديل الدستور يراد لها ان تدخل في اطار ايجاد حلول لمشاكل سياسية وظرفية وليس في اطار التعديل لمزيد من التطوير والحريات. راقبوا فقط المواقف التي انتقلت من اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين في موضوع التعديلات الدستورية، واربطوها بالتطورات السياسية والاستجوابات... تجدوا انها مواقف تحصر الهدف السامي للتعديل في اطار العلاقة بين السلطتين لا في الاطار الشمولي الذي وضعه المشرع، وهذا ارتجال لا يليق بالكويت ولا بالكويتيين ولا بدستورهم.
وفي اقتراحات تعديل الدستور تفاصيل صغيرة، لا ارى شخصيا انها تؤدي الى الهدف الكبير. زيادة الدوائر والنواب وآليات الاستجواب وعدد الموقعين على طلبات الاستجواب وطرح الثقة وغيرها وغيرها. تفاصيل صغيرة لها بالتأكيد اغراضها السياسية لكنها دون الآمال والطموحات بعد 48 سنة من وضع الدستور. اما عناصر الضرورة والمصلحة والاتفاق الموجبة لأي تعديل حقيقي فأعتقد انها تختصر بهدف واحد: الامارة الدستورية.
ومن باب الواقعية السياسية والقراءة الموضوعية والتحليل المنطقي اقول ان الامارة الدستورية صعبة التحقيق اليوم، فهذا الهدف يحتاج الى سيادة ثقافة سياسية مختلفة تماما والى خطوات تطويرية حقيقية للنظام السياسي في اتجاه بلورة كتل وطنية جامعة شاملة رافضة للعنصريات والغرائز الطائفية والمناطقية والقبلية وصولا الى الاحزاب وسلطة الغالبية ومعارضة الاقلية.
... وربما كان الانحطاط السياسي الذي نعيشه اليوم وسيلة مقصودة من وسائل تأجيل التطور الى الامارة الدستورية وعرقلة الولادة الطبيعية للتعديلات الأهم التي ارادها المشرعون.
جاسم بودي