عن الانتصار... والهزيمة

تصغير
تكبير
نتمنى ألا تطلق سيارات الحكومة بعد جلسة استجواب وزير الاعلام الشيخ احمد العبد الله العنان لأبواقها فرحا وترش «الفوم» على السيارات العابرة الى يمينها ويسارها، وألا يصور معسكر الوزير الامر بأنه انتصار له وهزيمة للمستجوبين. فالحسبة دقيقة وحساسة ومحرجة والدخول في تفاصيلها لا يفيد الجميع وفي طليعتهم الوزير نفسه.

«لكل استجواب ثمن»... كلمات كان يرددها الوزير العبدالله، وهو قبل غيره يعرف ثمن ما حصل في الايام العشرة الاخيرة اللهم الا اذا كان يعتقد انه عبر الاستحقاق بقدراته اللغوية والخطابية، او يعتبر فعلا انه فند محاور الاستجواب بالشكل المطلوب. اما الثمن الذي تلقاه المستجوبون فبالتأكيد المزيد من التقدير والاحترام لممارستهم حقوقهم الدستورية بكل رقي وتحضر ومسؤولية رغم ان المخالفات القانونية التي ارتكبت من قبل الوزارة كادت تعصف بالبلد وبوحدته وبتماسكه الاجتماعي.

«ما عليه»... غدا يوم جديد، والناس تعرف تماما يا معالي الوزير قيمة الثمن وطرقه ومسالكه وتسجل في ذاكرة المواقف حسابات جديدة للانتخابات المقبلة.

المهم ان الاستجواب كان راقيا بامتياز. وهو في المناسبة سؤال مغلظ يجب الا تجزع منه الحكومة او تتعامل معه بهذا القدر الكبير من التحدي والشخصانية. فالوحدة الوطنية تهمها تماما مثلما تهم الجميع والانقسامات هاجسها تماما مثلما هي هاجس الجميع والتنمية هدفها مثلما هي هدف الجميع. لا نريد لمعارضي الحكومة ان يكونوا اسرى نظريات المؤامرة فيعتبرون انهم وحدهم الحريصون على الدستور والقانون والوحدة والامن والسيادة والاستقرار، ولا نريد للحكومة والحكوميين ان يكونوا ايضا اسرى النظريات نفسها، فالتصنيف يجر التصنيف والانقسام يجر الانقسام والفرز يجر الفرز... وهو «أوسخ» ما يمكن ان تبدأ به مرحلة الانزلاق تدريجيا نحو الفوضى.

لتكن عشرات الاستجوابات... انما لنفصل مسيرة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية عنها ولا نربطها بها. كلما رأى نائب خللا وأراد تصحيحه تستنفر الحكومة كل طاقاتها وتلعب كل اوراقها وتحشد كل انصارها خلف شعارات صارت معروفة وممجوجة مثل: «مجلس الأمة يريد شل البلد. الاستجواب خطر على الوحدة الوطنية. النواب يريدون اشغال الحكومة عن تنفيذ خطط التنمية. البرلمان يعيق التطور وتنفيذ المشاريع واللحاق بالدول التي سبقتنا»... الى آخر المعزوفات التي نسمعها يوميا.

الاستجواب، يا جماعة الخير، حق دستوري لكل نائب وادواته معروفة، ويمكن اذا تم التعامل معه وفق الاصول ان يصبح اداة اصلاح وتصحيح بيد الحكومة نفسها، اما ما نراه اليوم فيكشف للاسف الشديد ان الطرفين، اي الحكومة والمجلس، يتحملان مسؤولية شل البلد من خلال الطريقة التي يتعاملان بها مع الاستجواب وكأنه موقعة حربية كبرى لا بد من حشد كل الاسلحة لحسمها.

وعلى الحكومة ان تعتبر الاستجواب الذي قدم (تحديدا) الى الوزير الشيخ احمد العبدالله ورقة في يدها لا سيفا ضدها، فحماية الوحدة الوطنية وتطبيق القوانين محوران اساسيان يفترض ان يكونا برنامج عمل الحكومة اليوم وغدا وبعد غد، وما اثاره المستجوبون من غيرة على التماسك والوحدة وحفظ النسيج الاجتماعي واعلاء صوت القانون هو رصيد وطني عظيم على الحكومة ان تلاقيه في منتصف الطريق وتشجعه وتعممه وتضع يدها في يد المستجوبين لمعالجة ثغرات قانونية تحدثوا عنها وربما كانت غافلة عنها.

والى المنتشين بـ «انتصارهم» نقول ان الكويت انتصرت. انتصرت بفرسانها الحريصين على الوحدة والقانون. انتصرت بهذا التنوع الجميل الذي حشد خلفه غالبية الكتل مختلف الآراء والاتجاهات والانتماءات المذهبية والمناطقية والقبلية. انتصرت بالخطاب الراقي الحضاري والممارسة المسؤولة للحقوق الدستورية. انتصرت بديموقراطيتها وحرية الرأي والتعبير... اما ما يمثل عكس ذلك فهو الهزيمة بعينها!



جاسم بودي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي