خطط التنمية وخطوط السير ... تقدم بطيء وموت سريع


خطط... خطط... خطط.
نستيقظ على خطة وأرقام فلكية وننام على أخرى بأرقام فلكية. واحدة للجسور وثانية للمدن وثالثة للصحة ورابعة للطرق وخامسة للتعليم وسادسة للتصنيع وسابعة للخدمات وثامنة وتاسعة وعاشرة للقطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية. نتابع السجال على هذه الخطط قبل إقرارها حيث الجميع يتحدث عن «خبرة» والجميع «يخطط» والجميع يرسم مسالك التنفيذ والجميع يشيد والجميع يشكك، ثم «نكحل» اعيننا بمشاهدة الخبراء الأجانب ومسؤولي البنك الدولي يضعون لنا الحلول لمشكلة نقل المصافي وتسرب المناهيل وأعطال محطات الكهرباء والماء والصرف الصحي وزيادة الرواتب، وندعى الى حوار مفتوح مع رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير الذي يرى انه شخّص في سنة مشاكلنا في خمسين سنة... وعمار يا كويت.
حتى الآن... كل ما نراه ونسمعه عبارة عن «تنظير» ونيات سليمة وارادات طيبة ورغبات صادقة. من منا لا يعرف ان الفساد معشش في الادارة وهل كنا في حاجة الى خبراء اجانب ليقولوا لنا ما قاله سابقا سمو الامير الشيخ صباح الاحمد من ان فساد الادارة «ما تشيله البعارين»؟ طبعا لم نكن لنحتاج الى ذلك لكننا في الكويت وما ادراك ما الكويت.
حتى الآن... كل ما نراه ونسمعه، على اهميته، يدل على اننا نخلط الاولويات وننسى أن أي خطة تنموية لا بد لها من الاستناد على عنصرين اساسيين: البشر والقانون، فقبل بدء بناء مدن جديدة ليتنا نكرس نهائيا مفهوم سيادة القانون في كل المجالات والالتفات الى حماية حقوق المواطن الكويتي في العمل والتعليم والصحة وقبل ذلك كله امنه وسلامته.
وفي الامن والسلامة الامثلة كثيرة، لكننا سنتوقف عند امر واحد فقط دفعنا اليه بقوة «اسبوع المرور» الذي مضى سريعا كأنه لم يمر. الحوادث المرورية التي تحصد المئات من ابنائنا كل عام وهي في تزايد مستمر محمية بالواسطات والالتفاف على القانون والخلل في الانظمة وضعف العقوبات والتهاون في منح رخص القيادة. هل يعقل ان يقضي 30 شابا وشابة في شهر يناير الماضي بحوادث السير و47 في فبراير و17 حتى منتصف مارس؟ هذه الارقام رسمية وتعني ان نحو مئة شخص توفوا في ثلاثة اشهر بسبب متهور في القيادة أو مسرع أو متجاوز للاشارة أو مخالف للقانون في بلد تعداد سكانه مليون نسمة اضافة الى مليوني وافد، وهذه نسبة كبيرة جدا قياسا الى الدول التي يتجاوز عدد سكانها الخمسين مليونا ولا تشهد وفاة 100 شخص بثلاثة اشهر بحوادث السير.
عدد حوادث السير وفقا للإحصاءات الرسمية ايضا بلغ في الايام السبعين الماضية 4375 حادثا، أي 63 حادثا في اليوم الواحد، اما النسبة العمرية للذين قضوا نحبهم فتراوحت في غالبيتها بين 11 و20 عاما.
قبل التنمية وخططها هناك انسان وهناك قانون، وحوادث السير في الكويت صارت نكبة بكل المقاييس لانها تسحق انسانا وتدوس قانونا. كيف يمكن لمن تجاوز اشارة حمراء بسرعة 200 كيلومتر ضاربا سيارة اخرى وقاتلا كل من فيها أن يبقى طليقا مع كل كاميرات المراقبة؟ وكيف يمكن لمن صادته كاميرات السرعة ان يعيد الكرة مرات ومرات لو لم يكن مسنودا بوعد بشطب المخالفة او بالتخفيف من العقوبة؟ وكيف يمكن لمن يسير في الشوارع رافعا «الباغي» والدراجات النارية مثل احصنة الكاوبوي الاميركية متابعة ما يفعل لو لم يكن هناك غض نظر؟ ألم يؤدِ التهاون مع «المقحصين» بسياراتهم الى مأساة «التقحيص» في وصلة الدوحة التي قضى فيها قبل نحو شهر اكثر من خمسة شبان؟ ألم يشجع التساهل مع «المغازلجية» الذين يلاحقون بنات الناس في الشوارع لـ «ترقيمهم» متسببين بحوادث دامية الى تكرار المشهد يوميا في مختلف شوارع الكويت؟
أسئلة كثيرة وأجوبة معروفة. واسطات تلغي المخالفات بسحر ساحر. علاقات عائلية واسرية وقبائلية ومناطقية تحشد بعض افراد الامن الى جانب المخالفين. المكلفون تطبيق القانون يخشون غضبة غاضب ان هم تشددوا وعارضوا قياديا يتصل فجأة ليقول: «لا تصير حنبلي وعسر». غياب كلي عن التفكير في تفعيل القانون وتغليظ العقوبة مثل منع متجاوزي الاشارة الحمراء المتسببين في حوادث من القيادة لمدة سنتين او اعتماد مبدأ النقاط على اجازة القيادة بحيث تنخفض النقاط مع كل تجاوز وصولا الى سحب رخصة القيادة، او مضاعفة قيمة المخالفات المالية وتعميم وضع الكوابح على السيارات المخالفة... يقولون ان خطط التنمية تهدف الى اللحاق بركب الدول الخليجية التي سبقتنا ويتحدثون دائما عن دبي. يا جماعة حتى دبي اصدرت تعميما بوضع صور «المغازلجية» الذين يتسببون في حوادث السير في الصحف الامر الذي قلص التحرشات في الشارع بنسبة 90 في المئة.
خطط... خطط... خطط. مسار بطيء امام موت سريع. ارادات طيبة امام سلوكيات متوحشة. رغبات صادقة امام غرائز فالتة. طرق للتطور امام طرق للدم، وما لم نبدأ بالمتاح لحماية الانسان والقانون فلن يكون مصير الخطط افضل من مصير حوادث السير... حتى لو وضعوا قربها الف اشارة: «تمهل أشغال».
جاسم بودي
نستيقظ على خطة وأرقام فلكية وننام على أخرى بأرقام فلكية. واحدة للجسور وثانية للمدن وثالثة للصحة ورابعة للطرق وخامسة للتعليم وسادسة للتصنيع وسابعة للخدمات وثامنة وتاسعة وعاشرة للقطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية. نتابع السجال على هذه الخطط قبل إقرارها حيث الجميع يتحدث عن «خبرة» والجميع «يخطط» والجميع يرسم مسالك التنفيذ والجميع يشيد والجميع يشكك، ثم «نكحل» اعيننا بمشاهدة الخبراء الأجانب ومسؤولي البنك الدولي يضعون لنا الحلول لمشكلة نقل المصافي وتسرب المناهيل وأعطال محطات الكهرباء والماء والصرف الصحي وزيادة الرواتب، وندعى الى حوار مفتوح مع رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير الذي يرى انه شخّص في سنة مشاكلنا في خمسين سنة... وعمار يا كويت.
حتى الآن... كل ما نراه ونسمعه عبارة عن «تنظير» ونيات سليمة وارادات طيبة ورغبات صادقة. من منا لا يعرف ان الفساد معشش في الادارة وهل كنا في حاجة الى خبراء اجانب ليقولوا لنا ما قاله سابقا سمو الامير الشيخ صباح الاحمد من ان فساد الادارة «ما تشيله البعارين»؟ طبعا لم نكن لنحتاج الى ذلك لكننا في الكويت وما ادراك ما الكويت.
حتى الآن... كل ما نراه ونسمعه، على اهميته، يدل على اننا نخلط الاولويات وننسى أن أي خطة تنموية لا بد لها من الاستناد على عنصرين اساسيين: البشر والقانون، فقبل بدء بناء مدن جديدة ليتنا نكرس نهائيا مفهوم سيادة القانون في كل المجالات والالتفات الى حماية حقوق المواطن الكويتي في العمل والتعليم والصحة وقبل ذلك كله امنه وسلامته.
وفي الامن والسلامة الامثلة كثيرة، لكننا سنتوقف عند امر واحد فقط دفعنا اليه بقوة «اسبوع المرور» الذي مضى سريعا كأنه لم يمر. الحوادث المرورية التي تحصد المئات من ابنائنا كل عام وهي في تزايد مستمر محمية بالواسطات والالتفاف على القانون والخلل في الانظمة وضعف العقوبات والتهاون في منح رخص القيادة. هل يعقل ان يقضي 30 شابا وشابة في شهر يناير الماضي بحوادث السير و47 في فبراير و17 حتى منتصف مارس؟ هذه الارقام رسمية وتعني ان نحو مئة شخص توفوا في ثلاثة اشهر بسبب متهور في القيادة أو مسرع أو متجاوز للاشارة أو مخالف للقانون في بلد تعداد سكانه مليون نسمة اضافة الى مليوني وافد، وهذه نسبة كبيرة جدا قياسا الى الدول التي يتجاوز عدد سكانها الخمسين مليونا ولا تشهد وفاة 100 شخص بثلاثة اشهر بحوادث السير.
عدد حوادث السير وفقا للإحصاءات الرسمية ايضا بلغ في الايام السبعين الماضية 4375 حادثا، أي 63 حادثا في اليوم الواحد، اما النسبة العمرية للذين قضوا نحبهم فتراوحت في غالبيتها بين 11 و20 عاما.
قبل التنمية وخططها هناك انسان وهناك قانون، وحوادث السير في الكويت صارت نكبة بكل المقاييس لانها تسحق انسانا وتدوس قانونا. كيف يمكن لمن تجاوز اشارة حمراء بسرعة 200 كيلومتر ضاربا سيارة اخرى وقاتلا كل من فيها أن يبقى طليقا مع كل كاميرات المراقبة؟ وكيف يمكن لمن صادته كاميرات السرعة ان يعيد الكرة مرات ومرات لو لم يكن مسنودا بوعد بشطب المخالفة او بالتخفيف من العقوبة؟ وكيف يمكن لمن يسير في الشوارع رافعا «الباغي» والدراجات النارية مثل احصنة الكاوبوي الاميركية متابعة ما يفعل لو لم يكن هناك غض نظر؟ ألم يؤدِ التهاون مع «المقحصين» بسياراتهم الى مأساة «التقحيص» في وصلة الدوحة التي قضى فيها قبل نحو شهر اكثر من خمسة شبان؟ ألم يشجع التساهل مع «المغازلجية» الذين يلاحقون بنات الناس في الشوارع لـ «ترقيمهم» متسببين بحوادث دامية الى تكرار المشهد يوميا في مختلف شوارع الكويت؟
أسئلة كثيرة وأجوبة معروفة. واسطات تلغي المخالفات بسحر ساحر. علاقات عائلية واسرية وقبائلية ومناطقية تحشد بعض افراد الامن الى جانب المخالفين. المكلفون تطبيق القانون يخشون غضبة غاضب ان هم تشددوا وعارضوا قياديا يتصل فجأة ليقول: «لا تصير حنبلي وعسر». غياب كلي عن التفكير في تفعيل القانون وتغليظ العقوبة مثل منع متجاوزي الاشارة الحمراء المتسببين في حوادث من القيادة لمدة سنتين او اعتماد مبدأ النقاط على اجازة القيادة بحيث تنخفض النقاط مع كل تجاوز وصولا الى سحب رخصة القيادة، او مضاعفة قيمة المخالفات المالية وتعميم وضع الكوابح على السيارات المخالفة... يقولون ان خطط التنمية تهدف الى اللحاق بركب الدول الخليجية التي سبقتنا ويتحدثون دائما عن دبي. يا جماعة حتى دبي اصدرت تعميما بوضع صور «المغازلجية» الذين يتسببون في حوادث السير في الصحف الامر الذي قلص التحرشات في الشارع بنسبة 90 في المئة.
خطط... خطط... خطط. مسار بطيء امام موت سريع. ارادات طيبة امام سلوكيات متوحشة. رغبات صادقة امام غرائز فالتة. طرق للتطور امام طرق للدم، وما لم نبدأ بالمتاح لحماية الانسان والقانون فلن يكون مصير الخطط افضل من مصير حوادث السير... حتى لو وضعوا قربها الف اشارة: «تمهل أشغال».
جاسم بودي