انتخاب البابا الجديد... طقوس مُعقّدة وانعزال عن العالم وتنافس بين الكرادلة التقدميين والمحافظين
«الكرسي الشاغر» بوفاة فرنسيس ينتظر «الدخان الأبيض»
بوفاة البابا فرنسيس، عن 88 عاماً، يوم إثنين الفصح، ينقضي عهد شهد في بعض الأحيان الانقسام والتوتر في سبيل سعيه لإصلاح المؤسسة العريقة، بينما سيكون على الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، البدء في طقوس معقدة تفرضها تقاليد متجذرة ترتبط بالانتقال من عهد بابوي إلى آخر، يحكم أغلبها «الدستور الرسولي».
وبعد دقائق على إعلان وفاته في شقته في مقر القديسة مارتا، انهالت برقيات التعازي من زعماء مختلف أنحاء العالم، لوفاة رأس الكنيسة الكاثوليكية، الذي عانى منذ أكثر من شهرين، من تداعيات التهاب رئوي حاد، ومنها «فرنسيس: رجل عظيم... سيظل في الذاكرة»، و«ارقد بسلام البابا فرنسيس».
وقال عميد دائرة العلمانيين والعائلة والحياة الكاردينال الإيرلندي كيفن فاريل، في بيان نشره الفاتيكان «هذا الصباح عند الساعة 07.35 عاد أسقف روما فرنسيس، إلى بيت الآب. لقد كرّس كلّ حياته لخدمة الرب وكنيسته».
وجاء تأكيده لوفاة البابا بإجراءات صارت بسيطة هذه الأيام تتطلب حضور طبيب وشهادة وفاة، مقارنة بما كان يجري حتى وقت ما من القرن العشرين بالنقر بمطرقة فضية على جبهة البابا ثلاث مرات.
وفي هذا الوقت، سيشغل فاريل المنصب بالوكالة، بصفته ما يُعرف بـ«كاميرلنغو الكنيسة الرومانية المقدسة»، خلال الفترة المعروفة باسم «الكرسي الشاغر»، وتكون مهامه محدودة وتقتصر على المسائل الإدارية.
وعند وفاة البابا، يتعين على جميع كبار مسؤولي الكوريا الرومانية، أي «حكومة» الكنيسة، الاستقالة من مناصبهم، ولا يبقى سوى الكاردينال «الكاميرلينغو» لإدارة الشؤون الجارية.
وكسر أول بابا يسوعي وأميركي جنوبي في التاريخ، والذي استمرت طوال حبريته امتدت 12 عاماً، التقاليد، إذ أوصى ألا تكون هناك منصة لعرض الجثمان وأن تقام الجنازة بطقس واحد سريع وأن يدفن في نعش بسيط، لمزيد من التواضع.
وخلافاً لأسلافه، طلب أن يرقد في كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري في روما، وليس في سرداب كنيسة القديس بطرس، وهو ما سيكون سابقة منذ أكثر من ثلاثة قرون.
أبرز المُرشحين
ويلحظ دستور الفاتيكان، حداداً رسمياً على الزعيم الروحي لنحو 1.4 مليار كاثوليكي في العالم، لمدة 9 أيام، ومهلة تتراوح بين 15 و20 يوماً لتنظيم المجمّع الذي ينتخب خلاله الكرادلة الناخبون الذين اختار فرنسيس نفسه نحو 80 في المئة منهم، البابا الجديد، مما يزيد من احتمالية استمرار خليفته في سياساته التقدمية رغم المعارضة الشديدة من المحافظين.
ويوجد حالياً 252 من الكرادلة الكاثوليك، منهم 138 مؤهلاً للتصويت للبابا الجديد. أما الباقون فتتجاوز أعمارهم 80 عاماً، ما يعني أنهم لا يستطيعون المشاركة في الاجتماع السري الذي يتم خلاله انتخاب البابا الجديد، مع أنه يمكنهم المشاركة في النقاش حول من يجب اختياره.
ومن أبرز الكرادلة المحتملين لخلافة فرنسيس الكرادلة، بييترو بارولين، بيتر إردو، لويس أنطونيو تاغلي، ماتيو زوبي، وريموند ليو بيرك.
الاجتماع السري
وفي الإطار، يتوافد الكرادلة من أنحاء العالم إلى روما ويعقدون اجتماعات يومية تُعرف باسم التجمعات العامة لمناقشة شؤون الكنيسة وتحديد السمات التي يعتقد كل منهم أنها يجب أن تتوافر في البابا الجديد.
وتجري معظم المناقشات عبر التواصل الشخصي بين الكرادلة.
وقبل أن يستقيل عام 2013، أجرى البابا بنديكت تعديلاً دستورياً للسماح ببدء عقد الاجتماع السري بعد فترة أقصر إذا اختار الكرادلة ذلك، أو بعد 20 يوماً من وفاة البابا بحد أقصى إذا تعذر على بعض الكرادلة الوصول إلى روما.
ويُعقد الاجتماع السري في كنيسة سيستين. وحتى انعقاد الاجتماعين اللذين انتخبا يوحنا بولس الأول ويوحنا بولس الثاني، كان الكرادلة يقيمون في غرف موقتة حول الكنيسة.
ويعرف الاجتماع السري باسم «كونكلاف» المأخوذ من كلمة لاتينية تعني «بمفتاح»، وتعود جذور الاسم إلى تقليد بدأ في القرن الثالث عشر عندما كان يتم إبقاء الكرادلة في اجتماع من دون السماح لهم بالخروج لإجبارهم على اتخاذ القرار بأسرع وقت ممكن والحد من التدخل الخارجي.
وفي أيام الاجتماع يُمنع المشاركون من أي تواصل مع العالم الخارجي، ولا يُسمح باستخدام الهواتف ولا الإنترنت ولا الصحف، وتستخدم شرطة الفاتيكان أجهزة أمنية إلكترونية لفرض القواعد.
ويجري الكرادلة تصويتين يومياً على مدار أيام الاجتماع السري، باستثناء اليوم الأول عندما يجري تصويت واحد.
ويتطلب نجاح أي من المرشحين للبابوية الحصول على تأييد غالبية الثلثين زائد واحد من الكرادلة الناخبين. وإذا لم يتم انتخاب أي مرشح بعد 13 يوماً، تُجرى جولة ثانية بين المرشحين المتصدرين لكن يظل الاختيار رهن تأييد غالبية الثلثين زائد واحد لأي منهما، لتعزيز الوحدة وتثبيط البحث عن مرشحين توافقيين.
«هابموس بابام»
عندما ينتخب الاجتماع السري باباً جديداً يجري سؤاله حول ما إذا كان يقبل تولي البابوية وسؤاله عن الاسم الذي يرغب في اتخاذه، وإذا رفض تولي المهمة تعاد إجراءات الانتخاب من جديد.
ويرتدي البابا الجديد ثياباً بيضاء يتم إعدادها مسبقاً بثلاثة قياسات، ويجلس على كرسي البابوية في كنيسة سيستين لاستقبال الكرادلة الآخرين الذين يقدّمون له التحية ويتعهدون بالولاء له.
ويعرف العالم أنه قد تم انتخاب البابا عندما يحرق أحد المسؤولين أوراق الاقتراع بمواد كيميائية خاصة ليتصاعد دخان أبيض اللون من مدخنة الكنيسة، أما الدخان الأسود فيرمز إلى تصويت غير حاسم.
ويصعد كبير الناخبين من الكرادلة الشمامسة، وهو حالياً الكاردينال الفرنسي دومينيك مامبرتي، إلى الشرفة المركزية لكاتدرائية القديس بطرس ليعلن للحشود في الساحة النبأ قائلاً «هابموس بابام» والتي تعني «لدينا بابا».
ثم يظهر البابا الجديد ويمنح الحشود أول مباركة له.
توطيد العلاقة مع العالم الإسلامي
وضع البابا فرنسيس، قضية إعادة الكرامة الإنسانية للمستبعدين في قلب رسالته، فحظي بشعبية كبيرة بين المؤمنين، وإن واجه معارضة داخلية شرسة في المؤسسة الكنسية بسبب إصلاحات ومواقف جريئة. وتمّيز هذا اليسوعي الأرجنتيني، وهو من محبي كرة القدم والتانغو، بالعفوية والحيوية لكن أيضاً بإدارة اعتُبرت أحياناً شخصية للغاية، وهو ما عرّضه لانتقادات. وبرز البابا السادس والستون بعد المئتين، المتمسك بالحوار بين الأديان خصوصاً حرصه «على توطيد العلاقة مع الأزهر ومع العالم الإسلامي، من خلال زياراته للعديد من الدول الإسلامية والعربية، ومن خلال آرائه التي أظهرت إنصافاً وإنسانية، لاسيما تجاه العدوان على غزة والتصدي للإسلاموفوبيا».