هل ينبئ تفتت النظام التجاري بنهاية عصر العولمة؟
3 اتجاهات رئيسية... تعيد تشكيل اقتصاد العالم



- السياسات الحمائية وتصاعد التوترات الجيوسياسية يهددان النظام التجاري العالمي
- الديموغرافيا ترسم خريطة جديدة للقوى العاملة بين التحديات والفرص في توزيع السكان
- كيف ستؤثر شيخوخة السكان ونمو الشباب على أسواق العمل؟
- الذكاء الاصطناعي يطلق ثورة الإنتاجية وتوقعات بتحقيق تريليونات الدولارات بحلول 2040
وسط التحديات والتحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، من التفتت الجيوسياسي إلى الثورات التكنولوجية، سعى المنتدى الاقتصادي العالمي إلى استشراف المستقبل من خلال استطلاع آراء نخبة من خبراء الاقتصاد حول أبرز الاتجاهات طويلة الأمد التي ستعيد تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي.
وكشف المنتدى، في تقرير له، عن 3 اتجاهات رئيسية حددها 5 من كبار الاقتصاديين من القطاعين العام والخاص، والتي يتوقع أن تحدث تحولات جذرية في الاقتصاد العالمي على المدى الطويل وهي.
1 - تطور التجارة العالمية:
لطالما شكلت التجارة الدولية ركيزة أساسية للاقتصاد المعولم، حيث ساهم تبادل السلع والخدمات عبر الحدود في تسهيل التنمية السريعة التي شهدها القرن الماضي، إلا أن العلاقات التجارية اليوم تشهد تداخلاً متزايداً مع التوترات الجيوسياسية، ما يؤدي إلى تفتت في الاقتصاد العالمي. ويرى الخبراء أن هذا التفتت يتسارع بفعل استخدام التعريفات والسياسات الحمائية التي تقسم الاقتصاد العالمي إلى مجموعات متنافسة بدلاً من نظام عالمي متصل.
وتشير بيانات «آفاق الاقتصاديين الرئيسيين» لعام 2024 إلى أن السياسات التجارية المشوهة الجديدة بين دول مجموعة العشرين فاقت الإجراءات الليبرالية التجارية بنسبة كبيرة بلغت 2402 إلى 634.
وازدادت الانقسامات الاقتصادية حدة في الأشهر الأخيرة مع تطبيق الولايات المتحدة تعريفات جمركية حادة على شركاء تجاريين رئيسيين، ما أطلق شرارة دورة من القيود التجارية المتبادلة.
ومع ذلك، يرى كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية، رالف أوسا، أنه على الرغم من أن الاقتصاد العالمي يشهد بعض التفتت الجيواقتصادي، «فإننا لا نرى حتى الآن أي تراجع للعولمة».
2 - التحولات الديموغرافية وتأثيرها على القوى العاملة:
تشهد مناطق مختلفة من العالم تحولات ديموغرافية ملحوظة. ففي حين تشهد أفريقيا وأجزاء من آسيا نمواً سكانياً سريعاً، تسجل أوروبا معدل نمو سلبي.
وتؤثر هذه الاتجاهات الديموغرافية بشكل مباشر على توافر العمالة، وتشير الشركات بشكل متزايد إلى أن هذه التحولات بدأت بالفعل تؤثر على توافر المهارات المطلوبة. فقد وجد «تقرير مستقبل الوظائف 2025» على سبيل المثال، أن 63 في المئة من الشركات التي شملها الاستطلاع ذكرت أن أكبر عائق أمام نموها هو عدم القدرة على جذب العمالة المناسبة.
وأوضحت كبيرة الاقتصاديين والمسؤولة عن الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في معهد أبحاث «إيه دي بي» نيلا ريتشاردسون، أنه «في ما يتعلق بالدول الغنية، نرى شيخوخة ديموغرافية حيث يتجه المزيد والمزيد من السكان العاملين نحو التقاعد. ولكن إذا نظرنا حول العالم، وخاصة في أفريقيا وآسيا، فإن ما نراه هو نمو في عدد السكان العاملين. فالعمال الأصغر سناً يصبحون جزءاً متزايداً من الفئة العمرية الرئيسية العاملة».
وأشار «تقرير مستقبل الوظائف 2025» أيضاً إلى أن التحولات الديموغرافية المستمرة، وخاصة شيخوخة وتراجع القوى العاملة في الاقتصادات المتقدمة، من المتوقع أن تبرز كعامل محرك كبير للطلب على المهارات.
وأضافت ريتشاردسون أن خلق تدفق للمواهب بين الدول الغنية والدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط سيكون مفتاحاً لتعزيز النمو الاقتصادي.
3 - الذكاء الاصطناعي يعيد تعريف الإنتاجية:
يعيد الذكاء الاصطناعي (AI) تشكيل القطاعين العام والخاص، حيث يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على إضافة ما يصل إلى 4.4 تريليون دولار سنوياً إلى الاقتصاد العالمي بحلول 2040.
ويرى المدير العام للأبحاث الاقتصادية في «Accenture Research» توماس كاستاغنينو، أن «الذكاء الاصطناعي التوليدي يجعلنا نعيد التفكير في مفهوم الإنتاجية. عادة ما نفكر في الإنتاجية على أنها إنتاج نفس الشيء بكمية أقل أو إنتاج المزيد بنفس الكمية. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يجعلنا نفكر في أن الإنتاجية أشبه بإنتاج أفضل بكمية أقل».
وفي استطلاع شمل أكثر من 1000 صاحب عمل لـ «تقرير مستقبل الوظائف 2025»، توقعت الغالبية العظمى (86 في المئة) أن تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة المعلومات على تحويل أعمالهم بحلول 2030. ويضيف التقرير أن الذكاء الاصطناعي التوليدي لديه القدرة على تعزيز المهارات الأساسية البشرية وتمكين الموظفين الأقل تخصصاً من أداء مجموعة أكبر من المهام التي يطلق عليها مهام الخبراء.
ويؤكد الاقتصاديون أن تحسين الإنتاجية يحتل مكانة عالية في قائمة الجوانب الإيجابية للذكاء الاصطناعي بالنسبة للشركات والموظفين. علاوة على ذلك، قد تصبح هذه الفوائد واضحة بوتيرة أسرع مما شوهد مع التقنيات التحويلية الأخرى.
وقال كبير الاقتصاديين العالميين في «ستاندرد آند بورز غلوبل» بول جرونوالد «يبدو أن الرأي السائد هو أن تأثير التكنولوجيا قد يكون أسرع قليلاً مما رأيناه بالنسبة لأجهزة الكمبيوتر. نحن واثقون تماماً من أننا سنشهد نوعاً من التحسن الناتج عن الذكاء الاصطناعي».
إعادة فهم اتجاهات المستقبل
يرى الخبراء أن فهم الاتجاهات الاقتصادية طويلة الأمد أمر ضروري لتسهيل النمو المستدام والشامل. علاوة على ذلك، يمكن أن يساعد تحليل هذه التحولات في ضمان توجيه استثمارات كافية في الاقتصاد العالمي لتعزيز المرونة في مواجهة التحديات والاضطرابات المختلفة.
واختتمت المستشارة الاقتصادية للمجموعة في بنك الخليج الدولي ريما بهاتيا قائلة: «لا يبدو أن الناس يدركون أننا حقاً في خضم هذا التحول الهائل. نحن نعيد التفكير في الطريقة التي يجب أن تدار بها صناعاتنا وقطاعاتنا. نحن نعيد تصور كيف سيبدو المستقبل في إطار أكثر استدامة».