ما الذي يمكن لأولياء الأمور أن يفعلوه؟
تكنولوجيا الشاشات الرقمية تؤذي صحة الصغار النفسية والسلوكية



أجرى باحثون في جامعة ديكن بولاية فيكتوريا الأسترالية دراسة حديثة سبروا من خلالها تأثيرات تكنولوجيا الشاشات الرقمية على الأطفال الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و6 سنوات.
وذكر الباحثون في دراستهم أن الأطفال في الماضي كانوا يتشاجرون على جهاز التحكم خلال تنافسهم على مشاهدة برامجهم المفضلة على التلفاز الوحيد في المنزل. أما في وقتنا الراهن، فأصبح المحتوى المعروض على الشاشات لا يُعد ولا يُحصى، إذ تتوافر شاشات أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية الإلكترونية والهواتف الذكية وأجهزة الألعاب وخدمات البث والمحتوى عبر الإنترنت والتطبيقات المتنوعة.
كما بات استخدام الأطفال لهذه الأجهزة جزءاً من يومهم الدراسي، إذ أصبحت المهارات الرقمية تندرج ضمن المنهج التعليمي ابتداء من المرحلة الإبتدائية.
لكن وتيرة هذا التحول وسرعته تركت الأهل والباحثين وصناع السياسات في سباق محموم للحاق به، ما يثير مخاوف متزايدة في شأن تأثير استخدام الشاشات على الأطفال الصغار تحديداً، وأدى ذلك إلى إصدار إرشادات توصي بتقييد استخدامها.
وتابع الباحثون «في دراستنا الحديثة، قمنا باستكشاف العلاقة بين استخدام شاشات التكنولوجيا الرقمية وبين صحة الأطفال الصغار النفسية والسلوكية، وتحديداً في الفئة العمرية من أربع إلى ست سنوات».
وتابعوا أن «تحليلاتنا الشاملة كشفت عن أن الأطفال الذين يقضون فترات أطول في استخدام هذه التقنيات والشاشات الرقمية هم أكثر عرضة للمعاناة من مشكلات اجتماعية وعاطفية وسلوكية، إلا أننا لا نستطيع حتى الآن تحديد السن أو مستوى الاستخدام الذي تبدأ عنده هذه التأثيرات السلبية في الظهور».
ولفت الباحثون إلى أنه «على الرغم من ذلك، فإن دراستنا تقدم لأولياء الأمور الباحثين عن توازن في هذا العالم الرقمي المتسارع مجموعة من الإرشادات العملية التي قد تساعد في توجيه استخدام أطفالهم للتكنولوجيا نحو أساليب أكثر صحية».
وذكروا «أجرينا مراجعة منهجية للأبحاث المنشورة حول استخدام أطفال في أنحاء العالم للأجهزة والشاشات الرقمية منذ العام 2011 (...) وشمل ذلك جميع الدراسات المُحكَّمة التي تناولت أثر هذه الأجهزة على صحة الأطفال النفسية والسلوكية. وقد ركزنا تحديداً على الفئة العمرية بين أربع وست سنوات، باعتبارها مرحلة حرجة تشهد نمواً سريعاً وبدء الانخراط في التعليم الرسمي. وعلى خلاف دراسات سابقة اقتصرت على أنواع محددة من الأجهزة، شمل بحثنا جميع أنواع الشاشات، من التلفزيونات إلى الهواتف واللوحات الإلكترونية ووصولاً إلى أجهزة الألعاب، وذلك لضمان شمولية التحليل».
وأردف الباحثون «شملت دراستنا بيانات من عشرين دولة، منها أستراليا والصين والولايات المتحدة وتركيا وألمانيا وكندا، وارتكزت بمعظمها على تقارير أولياء أمور حول سلوكيات أطفالهم، وشملت ما يزيد على 83 ألف ولي أمر. وحللنا العلاقة بين استخدام الأطفال لتكنولوجيا الشاشات وبين المحاور الرئيسية الأربعة التالية:
• الصحة النفسية - الاجتماعية: مقياس شامل يعكس مدى سعادة الطفل وتكيفه الاجتماعي والعاطفي.
• الوظيفة الاجتماعية: مهارات الطفل في التفاعل مع أقرانه.
• علاقة الطفل بوالديه: درجة التقارب أو النزاع بين الطفل ووالديه.
• الوظيفة السلوكية: غياب المشكلات السلوكية مثل نوبات الغضب المرتبطة بالتكنولوجيا، وفرط النشاط، والاكتئاب أو القلق.
واستخدمنا في التحليل منهجية التحليل التجميعي (Meta-analysis)، وهي أسلوب إحصائي يدمج بيانات دراسات متعددة لاستنتاج خلاصات أكثر دقة».
• النتائج
أظهرت نتائج الدراسة وجود ارتباط واضح بين زيادة استخدام شاشات التكنولوجيا الرقمية لدى الأطفال الصغار وبين حدوث تدهور في مؤشرات الصحة النفسية والسلوكية الأربعة المذكورة آنفاً.
لكن من المهم التنويه إلى أن العلاقة السببية لم تُثبت بعد، أي أن الارتباط لا يعني بالضرورة أن شاشات التكنولوجيا تسبب هذه النتائج السلبية بشكل مباشر، إلا أن التوجه العام للبيانات يشير إلى وجود علاقة ارتباطية تستحق الانتباه.
وأشار الباحثون إلى أن «ما نعرفه على وجه اليقين حتى الآن هو أن زيادة وقت الشاشات الذي يقضيه الأطفال الصغار في مشاهدة التلفاز أو استخدام التطبيقات والأجهزة اللوحية وغير ذلك يرتبط بشكل أكبر بظهور مشكلات سلوكية ونفسية، وضعف في المهارات الاجتماعية، وتدهور العلاقة مع الوالدين، وتراجع في الصحة النفسية والعاطفية.
لكن تأثيرات استخدام شاشات التكنولوجيا لا تقتصر على عامل الوقت فقط. فقد كشفت دراستنا كذلك عن أدلة ناشئة تفيد بأن العلاقة بين استخدام شاشات التكنولوجيا الرقمية وبين صحة الصغار النفسية والسلوكية هي علاقة أكثر تعقيداً من مجرد عامل الوقت. فنوعية المحتوى الذي يتعرض له الطفل والسياق الذي يتم فيه الاستخدام يكون لهما تأثير بالغ على النتائج».
ما الذي يمكن فعله لتشجيع استخدام أكثر صحة للشاشات؟
أظهرت نتائج الدراسة أن مشاركة أولياء الأمور في استخدام الشاشات مع أطفالهم الصغار تتيح فرصاً للحوار والتفاعل البنّاء. ومن خلال ذلك، تم تقديم التوصيات التالية:
1 - راقب الوقت، لكن لا تبالغ:
لا تقدم الدراسات وقتاً يومياً محدداً مثالياً لمطالعة شاشات التكنولوجيا، لكن من الحكمة مراقبة المدة التي يقضيها الطفل أمام الأجهزة، سواء في المنزل أو المدرسة. فالمفتاح هو «الاعتدال». حاول الموازنة بين وقت الشاشة والأنشطة الأخرى مثل اللعب في الهواء الطلق، والقراءة، لتفاعل مع الأصدقاء والعائلة، أو اللعب التخيلي.
2 - اختر المحتوى بعناية:
تشير الأبحاث إلى أن تشجيع الأطفال على مشاهدة محتوى تعليمي عالي الجودة يُخفف من الآثار السلبية المرتبطة باستخدام شاشات التكنولوجيا. فبدلاً من الرسوم المتحركة السريعة أو المقاطع القصيرة المتكررة، يمكن توجيه الطفل نحو برامج تعليمية هادفة وممتعة. كما يمكن تعريف الطفل بألعاب تفاعلية وتعليمية مناسبة لسنه وتشجعه على التفكير الإبداعي والمشاركة الفعالة.
3 - شاركهم التجربة:
يجب ألا يكون وقت الشاشة نشاطاً فردياً. مشاركة الأهل أو الأصدقاء في استخدام شاشات التكنولوجيا يُضفي بُعداً اجتماعياً تفاعلياً ويعزز فرص التعلم والحوار. وقد يشمل ذلك مشاهدة فيلم معاً والتحدث عن شخصياته أو حل ألغاز إلكترونية مشتركة أو تعلم مهارات البرمجة معاً.