نواف عبدالله... «الترند» الصامت

صالح الدويخ
صالح الدويخ
تصغير
تكبير

في عالم بات فيه البريق مقدَّماً على الجوهر، يختار الملحن الكويتي نواف عبدالله، أن يكون استثناءً نادراً، أن يسير عكس التيار، حيث لا تغريه الكاميرا ولا تغويه المنصات، بل ينحاز للصمت الذي يُنبت الموسيقى، ويؤمن بأن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى ضجيج، بل إلى صدق.

نواف عبدالله، أحد أبرز العقول الفنية في المشهد الخليجي، لم يكن مجرد ملحن عابر في مسيرة الفن العربي، بل هو أشبه بالنغمة الغائبة التي طالما بحث عنها الذوق العربي الحديث، موهبته البكر وجدت حضناً خصباً في المملكة العربية السعودية الشقيقة، حيث ارتأت فيه هيئة الترفيه، خصوصاً المستشار تركي آل الشيخ، طاقة خلاقة وأحد الأذرع الذهبية التي تُعيد تشكيل الخارطة الثقافية والفنية في المنطقة.

عقلية نواف عبدالله، ليست تقليدية، بل فلسفية في تعاملها مع الفن، ترى في اللحن خطاباً، وفي النغمة بياناً، وفي العمل الموسيقي مشروعاً إنسانياً يتجاوز مجرد الإطراب، ليصل إلى تطهير الروح من كل ما يعكر صفوها، هو من أولئك الذين يكتبون ألحانهم بلغة لا تُنطق، بل تُحَسّ، حيث لا يمكن الإمساك بها، لكن يمكن الغرق في سحرها.

أشرف «بوعبدالله» على عدد من الليالي الفنية الكبرى التي أصبحت علامات فارقة في الذاكرة الخليجية، مُنسجماً مع رؤية المملكة الثقافية، لا كمُنفّذ، بل كمشارك في صياغة الذوق العام، ومهندس خلف الستار للعديد من النجاحات، رؤيته تتجاوز اللحظة، ويراهن عليها الزمن، وهو بذلك يمثّل نموذجاً للفنان الذي يعيش إبداعه لا استعراضه، ينسج خلف الكواليس ما يعجز كثيرون عن صياغته أمام الجمهور.

في زمن تصنع فيه «الترندات» من المقاطع السريعة والصخب اللحظي، يفرض نواف عبدالله، حضوره بطريقته الخاصة، لا يظهر كثيراً، ولا يلاحق الضوء، لكنه دوماً في قلب الضوء، هو «الترند» الذي لا يعلو صوته، بل ترتفع ألحانه، وهو الحضور المختلف في عصر التكرار، فبينما يسابق البعض الوقت ليبقوا في الصورة، يختار نواف أن يترك موسيقاه تتكلم عنه، وتضعه بصمت في مقدمة المشهد.

لم ينس فضل بلده الكويت التي انطلق منها فنياً، وكان حريصاً على تواجد بصمته في أعيادها وأفراحها باستمرار، كما كان داعماً لفنانيها من مطربين وممثلين، هو شخصية لا تقاس بما نعرفه عن الفنانين، لأنه ببساطة لا يشبه أحداً، هو سؤال دائم في وجه الإجابة السهلة، ولحن ممتد في زمن العبور السريع، في صمته صوت لا يُشبه إلا الحقيقة.

نهاية المطاف: الإبداع لا يزهر في الفراغ، بل يحتاج إلى حضن يؤمن به قبل أن يراه، ويمنحه المناخ ليحلّق لا ليُروّض.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي