السابقة الليبية ليست نموذجاً بل تحذير... بالنسبة لطهران

لماذا لا تزال إيران ترفض التحدث مباشرةً مع ترامب؟

مفاعل نووي إيراني
مفاعل نووي إيراني
تصغير
تكبير

- الضمانات الواضحة... طريق طهران إلى المحادثات المباشرة
- إستراتيجيون إيرانيون... نزع السلاح من دون ضمانات أمنية... طريق لتغيير النظام وليس السلام
- الطرفان يدركان عواقب المواجهة الشاملة... عسكرياً ومدنياً واقتصادياً

لا ينبغي لأحد أن يتوقع اتفاقاً نووياً أميركياً - إيرانياً في أي وقت قريب - إن حدث أصلاً.

فقد انهار اتفاق الإطار المتفق عليه عام 1994 بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بعد تغيير في القيادة الأميركية وانعدام ثقة متبادل. وبالمثل، أدى اتفاق نزع السلاح مع ليبيا عام 2003 إلى تغيير النظام والفوضى، ما عزز مخاوف طهران وسبب مطالبتها بضمانات صارمة قبل الدخول في أي اتفاق جديد. إذ استغرق الأمر سنوات من الدبلوماسية المضنية للتوصل إلى اتفاق عام 2015 في عهد باراك أوباما. وفي يوم واحد قام دونالد ترامب بتمزيقه عند توليه منصبه في رئاسته السابقة.

لذلك فإن الطريق إلى أي اتفاق مستقبلي مليء بالتعقيدات التي لم تُحل، وانعدام الثقة، ونقص الضمانات. حتى في خضمّ تهديدات الحرب ومحاولات السلام المتقطعة، يبقى التوصل إلى اتفاق بعيد المنال.

ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة تعرف تماماً مواقع المنشآت النووية الإيرانية وقواعدها العسكرية ومدنها الرئيسية.

وبالمثل، تُدرك إيران جيداً مواقع القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة، إضافة إلى المنشآت العسكرية الإسرائيلية والمواقع النووية.

يُدرك كلا الجانبين عواقب المواجهة الشاملة. فالحرب قد تُنذر بخسائر عسكرية مُدمرة، وخسائر فادحة في صفوف المدنيين، وتصعيد إقليمي لا يُمكن السيطرة عليه وتبعات اقتصادية مدمرة.

والنتيجة هي توازن متوتر - حيث قد يتصاعد الخطاب، لكن لا يرغب أيٌّ من الطرفين حقاً في أن يكون الطرف المُشعل لصراع كارثي.

رفضت إيران مجدداً إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة في اللقاء الاول، رغم الضغوط المُتزايدة والمبادرات العلنية من إدارة ترامب.

ويبدو الرئيس الاميركي مُتحمساً لحل أحد أطول تناقضاته في السياسة الخارجية بأسلوبه الخاص: العودة إلى نسخة من اتفاق 2015 الذي انسحب منه أحادياً عام 2018 بشروط غير واضحة للتفاوض مع إيران وفق الشروط ذاتها التي سبق أن شجبها بشدة - شروطٌ وُضعت في عهد أوباما، وسخر منها ترامب واصفاً إياها بـ«أسوأ صفقة على الإطلاق».

ورغم مزاعم واشنطن المتكررة بأن مفاوضاتٍ سريةً جارية، تُصرّ إيران على أنها لن تُشارك في محادثاتٍ مباشرة مع الولايات المتحدة ما لم تُقدّم ضماناتٍ واضحة.

ويأتي على رأس مطالب طهران، الرفع الكامل والنهائي لآلاف العقوبات الأميركية التي شلّت اقتصادها. من وجهة نظر طهران، أي شيءٍ أقل من ذلك هو أمرٌ مُجهِد.

تبقى عُمان، التي لعبت دور الوسيط في الماضي، مكاناً لأي محادثاتٍ غير مباشرة. ومن المتوقع أن تُجسّد محادثات السبت، أجواءَ الترقب، مع أن طهران لا تزال مُتشككة في نوايا واشنطن.

وقد أكد الرئيس مسعود بازشكيان، أن المفاوضات غير المباشرة تجري بتوجيه من قائد الثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، مؤكداً أن «إيران لا تثق بالأميركيين».

وتابع «لم ننسحب من الاتفاق، بل أميركا هي من انسحبت. نحن مستعدون للتفاوض، لكننا لن نقبل أي تهديد، ومستعدون لكل السيناريوهات».

كما أكدت إيران أنها لن تقبل أبداً بتفكيك برنامجها الصاروخي البالستي، الذي يُعد ركيزة أساسية في إستراتيجيتها الدفاعية. هذا الخط الأحمر غير قابل للتفاوض، وأي محاولة أميركية - إسرائيلية لطرحه على طاولة المفاوضات، ستعيق أي تقدم محتمل.

يتناقض حرص ترامب على بدء المحادثات في بداية ولايته الجديدة مع نهجه في 2018، عندما انسحب من الاتفاق النووي وفرض ما أسماه «الضغط الأقصى». في ذلك الوقت، قال مقولته الشهيرة إنه «سينتظر على الهاتف» اتصالاً من إيران، وهو اتصال لم يأتِ قط.

فشلت تلك الإستراتيجية في جلب طهران إلى طاولة المفاوضات. والآن، مع تزايد الأصول العسكرية الأميركية مرة أخرى في المنطقة، يبدو أن ترامب يفرض ضغوطاً من جديد، ربما على أمل أن يؤدي الجمع بين الدبلوماسية والردع إلى نتائج.

لكن إيران، بينما تسعى إلى تجنب الحرب، أوضحت أنها لن تنحني تحت الإكراه. ولا تزال خطوطها الحمراء ثابتة: لا محادثات تحت الإكراه، ولا تفكيك برنامجها النووي السلمي، ولا أوهام حول موثوقية الولايات المتحدة.

ويشير المسؤولون الإيرانيون إلى العمليات العسكرية الأميركية والإسرائيلية ضد الحوثيين في اليمن، كدليل على عدم فعالية الإكراه الجوي.

منذ أقل من شهر، شنت الولايات المتحدة أكثر من 300 غارة جوية ضد «أنصارالله»، ومع ذلك فشلت هذه الهجمات في منع الحرطة الحوثية من استهداف الأصول البحرية الأميركية وعرقلة السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر. وترى طهران انه إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من ردع الحوثيين، وقدرتهم الصاروخية المحدودة، من خلال الضغط العسكري، فمن غير الواقعي الاعتقاد بأن إيران، التي تمتلك أراضي شاسعة وآلاف الصواريخ المتقدمة، ستخاف من التهديدات لكنها، من دون شك، تخشى الحرب ونتائجها.

العائق الأبرز هو الثقة - أو انعدامها. فإيران لا تثق في أن أي إدارة أميركية مستقبلية، سواء بقيادة ترامب أو خلفه، ستلتزم باتفاق جديد.

ويسعى ترامب الآن إلى إقناع إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات، بالشروط نفسها، لكن بمزيد من التشكك وحوافز أقل.

إن رفض طهران إعادة الانخراط المباشر هو انعكاس لدروس مستفادة. فبعد أن عاشت تحت وطأة الدورات السياسية الأميركية، لا ترى أي سبب للتفاوض مع إدارة قد تنسحب مرة أخرى من دون عواقب.

حتى السيد خامنئي كان واضحاً: لن تكون هناك محادثات مباشرة من دون ضمانات ملزمة باحترام الإدارات المستقبلية للاتفاق. يصعب على واشنطن تحقيق هذا المطلب سياسياً وقانونياً، نظراً لنظام الحكم الأميركي.

ولم يُبدِ ترامب، رغم سمعته بتقلب تصرفاته، أي إشارة إلى استعداده لتقديم مثل هذه الضمانات.

جدار العقوبات

تكمن جوهر المأزق في العقوبات - أكثر من 6500 منها، تغطي كل شيء بدءاً من صادرات النفط والخدمات المصرفية وصولاً إلى الأفراد والمنظمات المرتبطة بجهاز الأمن الإيراني.

بالنسبة لطهران، هذه العقوبات ليست عقابية فحسب، بل هي وجودية دمرت الاقتصاد. ومع ذلك، فإن الرسائل الصادرة عن واشنطن مُتناقضة للغاية. إذ صرح بعض المسؤولين علناً بأن على إيران «تفكيك برنامجها النووي بالكامل».

هذا مُطلبٌ مستحيل، ليس فقط بالنسبة لإيران، بل لأي دولة ذات سيادة لديها برنامج سلمي للطاقة النووية مُعترف به بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. هذا المطلب ليس فقط غير واقعي، بل لا يُمكن الدفاع عنه قانونياً. تسمح معاهدة حظر الانتشار النووي للدول بتخصيب اليورانيوم وتطوير التكنولوجيا النووية، شريطة ألا تسعى إلى التسلح.

عدوانية إسرائيل ووهم «النموذج الليبي» يزيد من حدة التوتر موقف إسرائيل المتشدد وعدائها العلني لأي شكل من أشكال الدبلوماسية مع إيران. وقد أثار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد لقائه ترامب، مخاوف من اتباع نهج عسكري في التعامل مع الملف الإيراني.

وفي تصريح صارخ ومثير للجدل، قال نتنياهو إن أي مفاوضات قادمة مع إيران يجب أن تستند إلى ما يسمى «النموذج الليبي»، في إشارة إلى اتفاق عام 2003 الذي وافقت فيه ليبيا على تفكيك برنامجها النووي بالكامل تحت إشراف الولايات المتحدة.

لكن بالنسبة لطهران، فإن السابقة الليبية ليست نموذجاً - بل تحذير. بعد أقل من عقد من تخلي ليبيا عن طموحاتها النووية، شنّت القوى الغربية تدخلاً عسكرياً أدى إلى الإطاحة بالعقيد معمر القذافي ومقتله بوحشية.

بالنسبة للاستراتيجيين الإيرانيين، الدرس واضح: نزع السلاح من دون ضمانات أمنية هو طريق لتغيير النظام، وليس للسلام.

يطالب اقتراح نتنياهو فعلياً إيران «بتفجير» بنيتها التحتية النووية، رغم خضوعها للتفتيش الكامل من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من دون الحصول على أي مقابل ملموس.

ما لم تتمكن الولايات المتحدة من تقديم أكثر من مجرد التهديدات، وما لم يكن ترامب مستعداً لإثبات أن كلمته أكثر قيمة مما كانت عليه عام 2018، فإن المواجهة ستستمر.

ومع كل يوم يمر، يتزايد خطر سوء التقدير والتصعيد والعواقب الاقتصادية. وإذا اندلعت الحرب، فلن تتوقف تكاليفها عند حدود إيران. سيشعر الاقتصاد العالمي بأكمله - الذي يعاني بالفعل من التضخم وعدم استقرار الطاقة وتعطل سلاسل التوريد - بالضربة.

حان الوقت لواشنطن للاختيار: دبلوماسية قائمة على الاحترام والشرعية، أو مواجهة قد تُشعل ناراً هائلة يصعب احتواؤها!

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي