استعدادات دمشق لتشكيل حكومة جديدة أرجأت زيارة وزير الدفاع اللبناني لها
لودريان زار بيروت «نصائح» و... استطلاع



- لبنان «يجدول» أولوياته وعون في باريس غداً
يزور رئيس الجمهورية العماد جوزف عون، غداً، باريس في أول محطة دولية له منذ انتخابه بعدما دشّن من الرياض إطلالاته الخارجية التي تكتسب أهمية بالغةً في إطار معاودة بناء جسور ثقة المجتمعين العربي والغربي بـ «بلاد الأرز» وتفعيل «لبنان الجديد» الذي يولد من قلب التحولات الجيو - سياسية في الاقليم، وذلك كمدخلٍ لاستعادة مظلة الدعم الضروري لضمان انتقاله من ضفة الحرب إلى مرحلة استقرار دائم وإعادة إعمار ما هدّمتْه أشهر من «مطحنة» الدم والدمار التي زُج فيها، وهو ما لن يكون ممكناً من دون أن يتولى الخارج «دفة قيادة» هذه الورشة التي ترتكز بالتوازي على مساريْن: إصلاحي – تقني وسيادي ذات امتداد سياسي ومحور الرئيسي سلاح «حزب الله» وطي أي إمكانٍ لرمي الوطن الصغير مجدداً في فم... النار.
وفي الوقت الذي يشكّل العنوانُ السيادي البند الرقم 1 «المشترك» بين عواصم القرار العربية والدولية في «دفتر الشروط الخارجي» لرفْدِ لبنان بأدواتِ الخروج «من تحت الركام» بدفْعٍ ذاتي ينبغي أن يأتي أولاً من الداخل ويعبّر عن اقتناعٍ بأن هوامش المراوغة والمناورة في ما خص وضعية سلاح «حزب الله» باتت «صفر»، فإنّ ثمة انطباعاً بأن باريس التي تشارك في «مجموعة الخمس حول لبنان» (مع الولايات المتحدة، السعودية، مصر وقطر) التي «قادت» مسار إنهاء الشغور الرئاسي وتشرف على «متمماته» المتعددة البُعد، وفي اللجنة الخماسية المولجة مراقبة تنفيذ اتفاق وقف النار مع اسرائيل وتطبيق القرار 1701 والتي يترأسها جنرال أميركي، أعطيتْ «مساحة أكبر» لمواكبة وإدارة الشق الإصلاحي من خريطة الإنقاذ وكأنها الناظر لمدى التزام بيروت بموجباته في موازاة دور واشنطن المباشر كرافعة للشقّ السيادي ومقتضياته التي باتت معروفة للجميع.
من هنا جاءت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان لبيروت ولقاءاته أمس مع كبار المسؤولين لتنطوي على أبعاد ذات دلالات مهمة لاعتبارات عدة أهمها:
- أنها أتت عشية زيارة عون للاليزيه الذي يستعدّ لمؤتمر لدعم لبنان وعملية إعادة الإعمار وفق ما عبّرت عنه زيارة الرئيس ايمانويل ماكرون لبيروت غداة انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وهو ما يستوجب استطلاعاً معمقاً لخطة «بلاد الأرز» والحكومة في هذا الإطار.
- أنها تترافق مع مضيّ حكومة الرئيس نواف سلام في إنجاز التعيينات في المواقع الرئيسية، والتي ستشمل اليوم حاكمية مصرف لبنان التي سيتولاها كريم سعيد (شقيق النائب السابق فارس سعيد) الذي دَعَم ترشيحه رئيس الجمهورية وسط تباين جرى الحديث عنه في هذا السياق مع سلام، وفي ظلّ معلوماتٍ عن أن فرنسا كانت تحبذ سمير عساف الذي نأى بنفسه عن هذا «السباق»، وأن وزير المال ياسين جابر رفع 3 أسماء للاختيار بينها شملت ايضاً وإدي الجميّل وجميل باز.
- أنها أعقبت الدور الذي اضطلعت به باريس في وقف تمدُّد «موجات الغارات»، التي أطبقتْ على مناطق واسعة يوم السبت، نحو العاصمة اللبنانية وضاحيتها الجنوبية بعد تشغيل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نواف سلام «الهواتف الحمر» مع فرنسا والولايات المتحدة.
- أنها تتزامن مع وضع لبنان واقعياً بين مطرقة تحفُّز اسرائيلي دائم على توجيه ضربات شبه يومية لـ «حزب الله» جنوباً وبقاعاً وإرسائها معادلة لإبقاء الحزب «مسحوقاً» وجعلها بيروت «هدفاً» بحال أي استهداف جديد لمستوطنات الشمال، وبين سندانِ ضغطٍ أميركي لاعتماد «طريق مختصر» نحو تطبيعٍ يُنهْي «لمرة واحدة وأخيرة» الصراع ويمرّ بمجموعات العمل الدبلوماسية التي ستباشر المبعوثة مورغان اورتاغوس بحثها في تل أبيب وربما بعد عيد الفطر في بيروت التي تقابل هذا الطرح بإرباك وحذر رغم اقتناعها بأن لا مفرّ من مخرج وسط تصب نهائياته عند ما يشبه «التطبيع اللايت» أو «اتفاق هدنة +».
وخلال استقباله لودريان، الذي قام أيضاً بزيارات «صامتة» لرئيس البرلمان نبيه بري وسلام ووزير الخارجية يوسف رجي قبل أن يلتقي مسؤولين آخَرين، أشار عون الى «استمرار الاعتداءات الإسرائيلية خلافاً للاتفاق الذي تم التوصل اليه في نوفمبر الماضي، فضلاً عن استمرار احتلال التلال الخمس وعدم إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين الذين احتجزتْهم إسرائيل خلال الحرب الأخيرة»، لافتاً الى «ضرورة عمل رعاة الاتفاق على الضغط على إسرائيل للالتزام به حفاظاً على صدقيتهم، وضماناً لتنفيذ ما اتفق عليه لاعادة الاستقرار ووقف الأعمال العدائية».
كما أبلغ عون إلى لودريان، أنه يتطلع الى اللقاء مع الرئيس الفرنسي غداً الجمعة في باريس «لشكره مجدداً على الدور الذي يلعبه في دعم لبنان ومساعدته على النهوض من جديد، ولاسيما على دوره الشخصي في تسهيل إنجاز الاستحقاق الرئاسي»، مؤكداً أنه سيبحث مع ماكرون في المواضيع ذات الاهتمام المشترك وفي تعزيز العلاقات اللبنانية - الفرنسية وتطويرها في المجالات كافة.
ولفت عون إلى «أن موضوع الإصلاحات يأتي في أولوية اهتماماته بالتوازي مع إعادة اعمار البلدات والقرى التي دمرها القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة»، مشيراً الى «أن العمل سيتواصل من أجل إعادة الثقة في الداخل اللبناني، ومع الخارج ولاسيما مع وجود فرص متاحة، لذلك يجب الاستفادة منها وأبرزها الدعم الفرنسي للبنان والتحرك الذي يقوده الرئيس ماكرون في هذا الإطار».
وأكد أنه مصمم مع الحكومة «على تجاوز الصعوبات التي يمكن ان تواجه مسيرة الإصلاح في البلاد في المجالات الاقتصادية والمصرفية والمالية والقضائية، وإيجاد الحلول المناسبة بالتعاون مع الأطراف المعنيين»، مشيراً إلى «أن الاجتماعات بدأت مع صندوق النقد الدولي لدرس الخطوات المناسبة لتحقيق الإصلاحات المطلوبة التي نريدها في لبنان قبل أن تكون مطلباً للمجتمع الدولي»، وقال «إن الإجراءات التي ستتخذ على الصعيد الإداري ستعطي رسالة إيجابية للداخل اللبناني والخارج».
وفي حين تحدثت محطة «ام تي في» اللبنانية عن ان لودريان نصح المسؤولين اللبنانيين ضمناً بالسير بطرح أميركا للتفاوض حول النقاط الخلافية مع اسرائيل (التلال الخمس والأسرى والنقاط المتنازع عليها منذ ما قبل الحرب على الخط الأزرق)، فإن لقاء عون - لودريان تطرق أيضاً الى الوضع على الحدود اللبنانية - السورية والذي كان يفترض أن يشكل محور زيارةٍ لوزير الدفاع اللبناني ميشال منسى لدمشق أمس ولكنها أرجئت قبل ساعات من موعدها.
وبحسب مسؤول لبناني، فإن بيروت تبلغت الثلاثاء بإرجاء الزيارة التي كانت مخصصة لبحث مسألة ضبط الحدود بين البلدين بعد مواجهات أسفرت عن قتلى وجرحى، مضيفاً أن الإرجاء جاء «بناء على تنسيق من الجانبين وليس بسبب خلاف أو توتر»، من دون أن يحدّد موعداً آخر للزيارة.
وقال مصدر حكومي سوري لـ «فرانس برس» إن الإرجاء مرتبط «بالاستعدادات في سوريا لتشكيل حكومة جديدة» حيث كان من المفترض أن يلتقي منسى نظيره السوري مرهف أبو قصرة.
وكانت توترات حدودية مع لبنان اندلعت منتصف مارس بعد مقتل ثلاثة عناصر أمن سوريين، وأسفرت عن مقتل سبعة أشخاص في الجانب اللبناني.
واتهمت دمشق «حزب الله» (عبر عشائر مدعومة منه) بخطف عناصر الأمن السوريين وقتلهم في منطقة حدودية في شرق لبنان، وهو ما نفاه الحزب، ولكنه لم يمنع القوات السورية من قصف المنطقة الحدودية. وبعد أيام من تبادل إطلاق النار، أعلن الجانبان على المستوى الرسمي، عن وقف لإطلاق النار، ليعود الهدوء إلى المنطقة.