إسرائيل تُدمّر غزة مجدداً بدعم أميركي... لتعزيز ائتلاف نتنياهو السياسي

دبابة «ميركافا» قرب السياج الحدودي مع شمال غزة (أ ف ب)
دبابة «ميركافا» قرب السياج الحدودي مع شمال غزة (أ ف ب)
تصغير
تكبير

عادت إسرائيل مجدداً إلى المفاوضات تحت النار مع المقاومة الفلسطينية، وهي إستراتيجية اتبعتها لمدة 15 شهراً وفشلت مراراً وتكراراً في تحقيق أهدافها.

وقد أدى التصعيد الأحادي الجانب المتجدد في غزة، الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية والقصف المدفعي، إلى تفاقم معاناة القطاع المحاصر، ما أثار المزيد من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء تجدد الحرب، في حين أن إسرائيل - التي جمعت بنك أهداف واسعاً، وعلى أهبة الاستعداد لغزو بري محدود محتمل، مع مرونة التصعيد أكثر - تبرر الغارات الجوية المتواصلة وقصف المدفعية والدبابات، باعتبارها إجراءات أمنية أساسية، يرى العديد أن توقيت هذه الهجمات ونطاقها مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالمشهد السياسي الداخلي.

وقد تم استدعاء 80 في المئة من جنود الاحتياط، ولا تزال ثلاث فرق متمركزة حول غزة، ما يشير إلى الاستعداد لحرب طويلة الأمد لضمان بقاء بنيامين نتنياهو السياسي في مواجهة التحديات القانونية والسياسية المتزايدة.

في الساعات الأولى من يوم 18 مارس 2025، بينما كان الفلسطينيون في غزة نائمين على افتراض أن وقف النار الهش صامد، شنّت المقاتلات الإسرائيلية واحدة من أعنف عمليات القصف منذ بدء الحرب. وشملت الغارة المفاجئة أكثر من 100 طائرة، وضربت مناطق مدنية بشكل عشوائي.

وارتفع عدد الشهداء سريعا إلى المئات، إضافة إلى مئات الجرحى والمفقدين، بمن فيهم نساء وأطفال وكبار السن، وفقاً لوزارة الصحة في غزة. وقد حطمت هذه الموجة المفاجئة من القصف الهدوء الهش الذي ساد منذ وقف إطلاق النار في يناير الماضي.

في الواقع، يبدو أن قرار نتنياهو بتصعيد الحرب في غزة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بصراعاته السياسية الداخلية، حيث يطالب شركاؤه من اليمين المتطرف، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، باتباع نهج عسكري صارم.

ولطالما دعا بن غفير، زعيم حزب «عوتسما يهوديت» اليميني المتطرف، إلى حملة عسكرية أكثر عدوانية. وقد أدى رحيله عن الحكومة قبل أشهر إلى إضعاف ائتلاف نتنياهو. لكنه عاد أمس، إثر استئناف الحرب، ما يعزز بقاء رئيس الوزراء السياسي.

وكان سموتريتش هدد سابقاً بالانسحاب من الائتلاف إذا توقفت الحرب. وباستئناف الهجوم، يضمن نتنياهو ولاء شركائه اليمينيين.

ولا يزال الرأي العام متشظياً بشدة. فقد واجه نتنياهو، المتورط في تهم فساد ومحاكمة جارية، أشهراً من الاحتجاجات الجماهيرية، حيث ألقى المتظاهرون باللوم عليه مباشرة في إخفاقات الاستخبارات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر 2023.

ومع تصاعد الغضب الشعبي، يبدو أن موقفه العسكري المتشدد من غزة هو محاولة محسوبة لصرف الانتباه عن فضائحه الداخلية وإخفاقاته في الحكم، وتقديم نفسه كقائد لا غنى عنه في زمن الحرب.

وقد اتهم كبار المسؤولين السابقين من حكومته، نتنياهو علناً بتسييس الصراع والتلاعب بالحرب لتمديد قبضته على السلطة.

ويجادل النقاد بأنه يطيل العمليات العسكرية عمداً، ويضحي بأرواح الجنود بتهور في محاولة للبقاء السياسي بدلاً من السعي لتحقيق هدف استراتيجي واضح.

وتشير التقارير إلى أنه تم التشاور مع الولايات المتحدة مسبقاً قبل استئناف إسرائيل لغاراتها الجوية على غزة، وقد أعرب البيت الأبيض عن دعمه لأفعال إسرائيل.

وأحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في استراتيجية نتنياهو،هو كيفية تأثير استئناف الحرب على الأسرى الذين ما زالوا محتجزين في غزة.

وقد دانت عائلات الرهائن، رئيس الوزراء علناً لرفضه المرحلة الثانية من محادثات وقف إطلاق النار، والتي كانت تهدف إلى تأمين انسحاب منظم من غزة وتسهيل تبادل الأسرى المتبقين مقابل الرفع التدريجي للحصار.

وشملت هذه المرحلة أيضاً مناقشات حول انسحاب إسرائيل من ممر فيلادلفيا ذي الأهمية الاستراتيجية، وهو منطقة عازلة على طول الحدود بين غزة ومصر، يصر نتنياهو على إبقائها تحت السيطرة الإسرائيلية.

وجادل كثيرون داخل المؤسسة الأمنية بأن التمسك بالممر لا يخدم أي غرض عسكري سوى تأجيج التوترات مع مصر ومنع التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، ورفض الانسحاب من ممر فيلادلفيا.

وقد انتقد بعض المشرعين، نتنياهو، قائلين إنه يضحي بأرواح الإسرائيليين من أجل بقائه السياسي... وبينما يزعم نتنياهو مراراً وتكراراً أن إسرائيل منخرطة في «حرب على سبع جبهات»، فإن الواقع يشير إلى خلاف ذلك.

لا تزال سوريا مشلولة عسكرياً، حيث تتجنب قيادتها الجديدة المواجهة رغم الاحتلال الإسرائيلي والغارات الجوية على درعا والسويداء والقنيطرة وأرياف دمشق.

وامتنع لبنان عن الرد، حتى بعد الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لوقف إطلاق النار.

ومن المتوقع أن يبقى ما يسمى بـ «محور المقاومة» قليل الحركة، من دون أن تظهر نية واضحة للرد المناسب باستثناء التصريحات الرمزية، عدا جبهة اليمن البعيدة والمشتعلة والمنشغلة مع الهجمات الأميركية.

ورغم ذلك، تصر حكومة نتنياهو على أن حرباً إقليمية أوسع نطاقاً وشيكة، وتصور إسرائيل على أنها تحت تهديد وجودي مستمر لتبرير العمليات العسكرية المطولة.

ويخدم هذا الخطاب صرف الانتباه عن الإخفاقات المحلية، ويعزز المشاعر القومية، ويضمن استمرار الدعم العسكري والسياسي الأميركي.

ومن خلال الحفاظ على تصور حرب وشيكة متعددة الجبهة، يعزز نتنياهو موقفه داخل ائتلافه الهش، بينما يسيء بشكل استباقي إلى أي دعوات لخفض التصعيد أو المفاوضات الدبلوماسية.

وهذا يشير إلى أن نتنياهو لا يخوض حرباً على حركة «حماس» فحسب، بل معركة مدروسة من أجل بقائه السياسي. استراتيجيته واضحة: الحفاظ على حالة حرب لقمع المعارضة، وتهميش المعارضة الداخلية، وضمان استمرار حكمه.

هل ستؤدي أزمة الأسرى المتفاقمة إلى مزيد من تفتيت المجتمع الإسرائيلي، ما يجبر نتنياهو على مواجهة نقطة تحول؟ بدعم الولايات المتحدة الثابت، مُنح نتنياهو حرية التصرف، مستخدماً الحرب كأداة سياسية لترسيخ قيادته، من دون أي منازع أو رادع.

أما بالنسبة لشعب غزة، فيعني هذا تحمل قصف متواصل، وتحطيم سبل العيش، ودائرة لا تنتهي من الدمار، وحصار إنساني في منتصف شهر رمضان.

وبينما تُمزق القنابل المنازل والمستشفيات والمدارس بلا هوادة، يجد شعب غزة نفسه محاصراً في واقع وحشي، حيث لا تُشن الحرب في ساحة المعركة فحسب، بل تُستغل كأداة لتحقيق طموحات سياسية.

في هذه الدائرة المُدبّرة من الدمار، يتفاقم ألمهم وإن الحرب في كثير من الأحيان لا تتعلق بالأمن بقدر ما تتعلق بالحسابات الاستراتيجية لأولئك الذين يسعون إلى الحفاظ على قبضتهم على السلطة بأي ثمن.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي