جنبلاط ثبّت زعامتَه وحضّ دروز سوريا على تفادي تحويلهم «إسفيناً» لتقسيمها
وهج «العصا» الأميركية ضدّ الحوثيين... يلفح لبنان










- جنبلاط وضع الوردة الأخيرة على ضريح والده: نختم هذا التقليد كون عدالة التاريخ أخذتْ مجراها ولو بعد حين
- اسرائيل تغتال 3 من «حزب الله» خلال 24 ساعة
- عون: لا عودة للحياة الطبيعية من دون تطبيق القرارات الدولية وانسحاب إسرائيل وعودة الاسرى وإعادة الاعمار
لم تكن إيران وحدها أمس، التي تَرصد أبعادَ بدءِ الولايات المتحدة حملةً جويةً ضدّ الحوثيين تراوح أهدافُها بين «بتْر» ذراعٍ جديدة لـ «محور الممانعة» وبين تجريد هذه المجموعة من «أنيابها» التي تتيح لها «أَسْر» حركة الملاحة الدولية و«أحد أهمّ الممرات المائية في العالم»
... فحتى لبنان بدا معنياً بمعاني أول «تفعيلٍ» من الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض لخيارِ القوّةِ لتحقيق أهداف وَعَد بها وتَوَعَّد مَن يقفون في طريق بلوغها خصوصاً في ملفي «غزة وأخواتها» وإيران، النووية والبالستية والأخطبوطية، واللذين يتقاطعان عند كون مآلاتهما «موصولة» بأمن اسرائيل الاستراتيجي وبالمتغيرات الجيو - سياسية التي ما زالت في طور التدحرج في المنطقة.
ففي الوقت الذي لم يتطلّب الأمرُ عناءً للتعاطي مع الضربةِ للحوثيين، التي اعتُبرت استباقيةً (بعد تهديدهم باستنئاف هجماتهم البحرية ضد السفن الاسرائيلية) كما ذات «مفعولٍ رجعي» يرتبط باستهدافاتهم السابقة، على أنها تصويبٌ بالنار عليهم يُراد أن يصيب إيران التي كانت منهمكة
بـ «تقييم عميق» للطرح الذي عَرَضَه عليها ترامب ويخيّرها واقعياً بين مفاوضات حول النووي والنفوذ والصواريخ البالستية وبين عمل عسكري محتمل ضدّها، فإن لجوءَ واشنطن إلى «أيام قتالية» وربما أسابيع ضد الحوثيين وضغطها على زرّ «انتهى وقتكم» تردّدت أصداؤه المتفجّرة في لبنان الذي ما زال في مدارِ الحرب الاسرائيلية التي انتهتْ موجاتها العاتية باتفاقِ 27 نوفمبر ومندرجاته من دون أن توقف تل ابيب عملياتها الموْضعية شبه اليومية، اغتيالات وغارات على مستودعات أسلحة.
ورأت أوساط واسعة الاطلاع أن ارتداءَ الإدارة الترامبية «المرقّط» - تحت سقف «استراتيجية إنهاء الحروب» ووصولاً إلى هذا الهدف ولو «على الساخن» أحياناً -يعكس إصراراً على تحقيق الأجندة التي وَضَعها الرئيس الأميركي للمنطقة وتشمل «بلاد الأرز» من خلال التداعيات المستمرّة للحرب الأخيرة وخريطة الطريق لطيّها «لمرة واحدة ونهائية» على قاعدة تطبيق القرار 1701 وحصْر السلاح بيد الدولة أي وضع حدّ لوضعية «حزب الله» خارج الدولة، وصولاً إلى اقتراح واشنطن قبل أيام تشكيل 3 مجموعات عمل ديبلوماسية مشتركة (تضم لبنان واسرائيل والولايات المتحدة وربما فرنسا أو الأمم المتحدة) لبتّ المسائل العالقة في ما خص الأسرى اللبنانيين، والتلال الخمس التي بقيت تحت الاحتلال الاسرائيلي، والنقاط البرية المتنازَع عليها منذ ما قبل الحرب على الخط الأزرق، وهو المسار الذي اشتُّمت منه محاولةٌ لتعبيد ممرّ نحو تطبيعٍ في شكل أو آخَر.
وفي حين كان «جهنّم الأميركي» بوجه الحوثيين يَحمل في جانبه الجوّي «بصماتِ» الإعصار الجوي الاسرائيلي الذي هبّ على لبنان و«حزب الله» في بدايات الحرب الموسعة (سبتمبر)، فإن تل ابيب بدأت تكثّف ما يشي بأنه «حملة أمنية» بالغارات ضدّ كوادر من «حزب الله» تمضي في اغتيالهم، وصولاً لاستهدافها أمس اثنين منهم في الجنوب (في ياطر وميس الجبل) وذلك بعد اغتيال ثالثٍ (السبت) في برج الملوك.
«صبرنا وصمدنا وانتصرنا»
ولم يحجب هديرُ الضربات ضد الحوثيين والتي تشي بتضييق الخناق أكثر وأكثر على إيران، بعدما أُنهك «حزب الله» في لبنان وانهار نظام بشار الأسد في سوريا، المشهديةَ الشعبية – السياسية الهادرة التي ارتسمت أمس في المختارة، معقل الزعامة الجنبلاطية، في الذكرى 48 لاغتيال زعيمها ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي كمال جنبلاط.
وجاء إحياء الذكرى أمس تحت عنوان «صبرنا وصمدنا وانتصرنا» مدجّجاً بالأبعاد الرمزية والعاطفية، التي عبّرت عنها دموع وليد كمال جنبلاط وتيمور وليد جنبلاط، والسياسية، وذلك في ضوء:
- أنها المرّة الأولى منذ اغتيال «المعلّم» على يد النظام السوري يتم إحياء المناسبة بعد القبض على القاتل، اللواء إبراهيم حويجي، وأيضاً بعد سقوط «نظام الأسدين».
- أن هذه المناسبة تزامنتْ مع تحديات خطيرة يواجهها الواقع الدرزي في جنوب سوريا وسط استشعار جنبلاط تهديداً للهوية القومية والوطنية لدروز سوريا ومحاولاتٍ من اسرائيل تحت عنوان «حماية الدروز» لجعلهم منصة لمشروع تقسيم وتفتيت «بلاد الشام» والمنطقة، وصولاً لمظاهر، وبينها عبور وفد رجال الدين من الدروز السوريين خط الهدنة في مرتفعات الجولان المحتل وزيارتهم مجدل شمس (تضمّنت المحطة الصلاة في مقام النبي شعيب)، اعتُبرت مؤشراً إلى أن زعامة جنبلاط ربما تكون باتت على المحك.
ومن هنا شكّل مشهد المشاركة الشعبية الحاشدة جداً، والحضور السياسي العابر للطوائف من قادة لبنانيين وممثلين لهم، إلى جانب كبير من مشايخ السويداء، استفتاءً على زعامةٍ بدا من الصعب تَحجيمها، في ضوء تَجَذُّرها أولاً كما «وصْلها» مع دروز المنطقة و«ربْطها» مع مستقبلهم، خصوصاً عبر تيمور جنبلاط الذي ألبسه والده قبل أعوام عباءة الزعامة.
وعكست كلمة الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في الذكرى أبعادها العميقة، إذ قال: «طوال 48 عاما كنا نجتمع في 16 مارس من كل عام نتلو الفاتحة ونضع زهرة على ضريح كمال جنبلاط ورفيقه، وكانت هذه المناسبة فرصة لاستمرار التحدي والمواجهة وللتذكير والبقاء نستمد منها إرادة الصمود والحياة (...). وإذ أشرفت على سوريا بعد غياب طويل شمس الحرية وسقط نظام القهر والاستبداد وتحرر الشعب السوري وحيث ان الحُكم الجديد بقيادة أحمد الشرع اعتقل المسؤول عن جريمة الاغتيال في ذاك النهار الاسود المدعو ابراهيم الحويجي أعلن باسمي وباسم عائلتي وباسم الحزب التقدمي الاشتراكي ختْم هذا التقليد كون عدالة التاريخ أخذت مجراها ولو بعد حين».
وأكد أن المختارة «تتطلع الى مرحلة جديدة من النضال والى التمسك بالاشتراكية، الامر الذي يتطلب ورشة فكرية تنظيمية من أصحاب الشأن، كما نؤكد على يوم المصالحة التاريخي برعاية البطريرك مار نصرالله بطرس صفير واعتبار هذا الحدث اساساً للعلاقات اللبنانية - اللبنانية فوق الانقسامات السياسية كما كانت حالة جبل لبنان أيام سيدة القصر نظيرة جنبلاط».
وتوجّه «إلى بني معروف في مئوية سلطان الأطرش ومئوية الثورة الوطنيّة السورية».
وقال: «حافِظوا على هويتكم العربية وعلى تاريخكم النضالي المشترك مع الوطنيين العرب والسوريين في مواجهة الاستعمار والانتداب. حافِظوا على موقفكم في مواجهة احتلال الأرض العربية في الجولان السوري، وعلى تراثكم الاسلامي واحذروا من الاختراق الفكري الصهيوني الذي يريد تحويلَكُم إلى قومية، واحذَروا من استخدام البعض منكم كإسفين لتقسيم سوريا وبقية المنطقة، تحت شعار تحالف الأقليات الذي عارضه كمال جنبلاط وقد استشهد رفضاً لهذا المشروع. إن الزيارات ذات الطابع الديني، لا تلغي احتلال أرض فلسطين والجولان».
وطن يتسع للجميع
في موازاة ذلك، حيا رئيس الجمهورية العماد جوزف عون ذكرى كمال جنبلاط.
وقال «نستذكر رحيل كمال جنبلاط. زعيماً كبيراً في لبنان، ومناضلاً مؤمناً بحق فلسطين، ومفكّراً مشعّاً على المنطقة والعالم، وشهيداً في سبيل الحرية والتحرر من ذلك»السجن الكبير».
واضاف «نستذكر معه، كما قال اليوم بالذات نجله الزعيم وليد جنبلاط، الشهداء الأبرياء من أبناء المنطقة وخارجها، الذين سقطوا ظلماً وغدراً، إثر تلك الجريمة البشعة. ونتعلّم من تلك الدماء والأيام، أن لبنان، الدولة الجامعة، المنبثقة من إراداتنا الموحدة، هو حمايتنا الأكيدة الوحيدة«.
وكان عون أكد في الإفطار الجامع الذي أقامه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في دار الفتوى وحضَره رئيسا البرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام ورؤساء أحزاب وحشد من السفراء والشخصيات السياسية، ان لبنان»وطن يتسع للجميع بمختلف انتماءاتهم ومعتقداتهم. ومن هنا تأتي أهمية المشاركة السياسية لجميع شرائح المجتمع اللبناني، من دون تهميش أو عزل أو إقصاء لأيِّ مكون من مكوناته».
وشدد على «أن هذهِ المشاركةَ تقومُ على مبدأٍ أساسٍ وهو احترامُ الدستورِ ووثيقةِ الوفاقِ الوطني (اتفاق الطائف)، وتفسيرِهما الحقيقي والقانوني لا التفسيرِ السياسي أو الطائفي أو المذهبي أو المصلحي«.وقال»إن الدولةَ اللبنانيةَ بمؤسساتِها المختلفة، وبقدرِ حرصِها على حمايةِ التنوعِ اللبناني وخصوصيتِه، فإنها ملتزمةٌ، وقبلَ أيِّ شيء، بحفظِ الكيانِ والشعب، فلا مشروعَ يعلو على مشروعِ الدولةِ القوية القادرة العادلة، التي ينبغي بناؤُها وتضافرُ جميعِ الجهودِ لأجلِ ذلك«.
واعتبر انه»لا يمكن عودة الحياة الطبيعية إلى المناطق المتضررة (من الحرب) من دون تطبيق القرارات الدولية التي تضمن سيادة لبنان وأمنه واستقراره، وانسحاب المحتلّ من أرضنا وعودة الأسرى إلى أحضان وطنهم وأهلهم، ووضع المجتمع الدوليّ أمام مسؤولياته للإيفاء بضماناته وتعهداته، وتجسيد مواقفه الداعمة للدولة ووضعها موضع التنفيذ«.
واضاف»في خضمّ التحديات التي يواجهُها وطنُنا، يبرزُ موضوعُ تنفيذِ القرارِ 1701 واتفاقِ وقفِ النارِ كقضية محوريةٍ تستدعي اهتمامَنا وعنايتَنا. فلا يمكنُ أن يستقرَّ لبنانُ ويزدهرَ في ظلِّ استمرار التوتر على حدوده الجنوبية، ولا يمكنُ أن تعودَ الحياةُ الطبيعيةُ إلى المناطقِ المتضررة من دونِ تطبيقِ القراراتِ الدوليةِ التي تضمنُ سيادةَ لبنانَ وأمنَهُ واستقرارَه، وانسحاب المحتلّ من أرضنا وعودةَ الأسرى إلى أحضانِ وطنِهم وأهلِهم. وهذا يوجبُ أيضاَ وضعَ المجتمعِ الدوليِّ أمامَ مسؤولياتِه للإيفاءِ بضماناتِه وتعهداتِه، وتجسيدَ مواقفِه الداعمةِ للدولةِ ووضعِها موضعَ التنفيذ (...)".