«قِيل إنني لن أحظى بأصوات الجمهور والقبيلة في (أمير الشعراء)»
عائشة السيفي لـ «الراي»: حتى يكون الشعر مثل فيروز... على الشعراء أن ينزلوا من منابرهم!



- لم أسعَ إلى الجانب الغنائي... والشعراء «كناسو مشاعر»
- كنتُ أزور ابنتي من هولندا إلى عُمان... عبر بحور القصائد
- أكتب لكل من يؤمن بأن الشعر وسيلة من وسائل الاستشفاء
فيما دعت الشعراء إلى النزول من منابرهم لكتابة شيء يشبه الحياة، قالت الشاعرة العُمانية الحاصلة على لقب «أمير الشعراء» عائشة السيفي إن الشعر لابد وأن يخاطب الأمزجة مثل أغاني وصوت فيروز في صبيحة كل يوم.
ولم تنفِ السيفي في حوار مع «الراي» تراجع القصيدة الفصيحة في وقتٍ من الأوقات، مؤكدة أنه كأي شكلٍ من الأشكال الإبداعية يحتاج إلى المزاوجة، كاشفة عن أنها تكتب الشعر لكل من يؤمن بأنه وسيلة من وسائل الاستشفاء.
وأشارت السيفي إلى أنها تستلهم المفردة في أشعارها من كل ما يحيط بها، من حكمة البسطاء، أو عناق ابنٍ، أو براءة طفل، مؤكدة أن الحياة بكل تفاصيلها تعد مَسرحاً مُلهماً جداً للقصائد.
• من الهندسة المدنية، إلى حقول الشعر والأدب، كيف حصل ذلك؟
- لقد جاء الشعر مذ جئت إلى الحياة، أما الهندسة المدنية فكانت باختيار عقلاني، حتى إنه خلال فترة دراستي كان مُعدّل درجاتي باللغة العربية، كمعدل درجاتي في المواد الأخرى، مثل الرياضيات والفيزياء، وهذا يعود إلى ولَعي بالأرقام بموازاة ولَعي باللغة.
• هل يمكننا القول إنك كشاعرة تُحبذين التمرد على النمطية والرتابة الحياتية؟
- بالتأكيد. فأنا روح متمردة أبحث دوماً عن الأشياء التي تُثير فضولي، ومن هذا الباب دخلت الهندسة المدنية، ليأتي الشعر كفضاءٍ يحلّق بي من الحالة المادية التي تفرضها الهندسة إلى تلك المساحة الآمنة التي أجدها في الكتابة، مع العلم أنني لا أشعر بوجود ثغرة أو هوة كبيرة ما بين المجالين.
• متى بدأت ملكة الكتابة في نفسك؟
- بدأت في سنٍ مبكرة، وبالتحديد في المرحلة الابتدائية، فمنذ طفولتي أشارك في المسابقات التي تُعنى بإلقاء الشعر، وكنت أقرأ لكثير من الشعراء، على غرار عبدالرحمن العشماوي، إلى جانب الدكتور مانع سعيد العتيبة، وغيرهما من الشعراء الكبار.
• لا شك أن حصولك على لقب «أمير الشعراء» كان مستحقاً، في الموسم العاشر من البرنامج الذي يحمل الاسم ذاته، ولكن ماذا أعطاكِ هذا اللقب؟
- أعتقد أن جزءاً كبيراً منه كان تصحيحاً لبعض المفاهيم حول أن المرأة لا تحصد الجوائز في المنابر الجماهيرية. فقد سبق وأن قيل لي -قبل خوض المنافسة في مسابقة «أمير الشعراء»- إنه لكوني امرأة وعُمانية بالتحديد فلن أحظى بأصوات الجمهور، أو بدعم القبيلة، ولكنني كسبت الرهان بقدرة المرأة على تحقيق الفوز وحصد الألقاب في مجتمع لا يشارك عادة في مثل هذه البرامج والمسابقات.
ولعلّ من الأشياء المهمة التي تحصل أن «أمير الشعراء» يفتح لك المنابر لكي يتعرّف عليك الناس، فالحصول على اللقب شيء، وكيفية تقديم نفسك كشاعر ما بعد اللقب شيء آخر، فهناك من يختفي، وهناك من لا يزال يواصل استثمار الضوء بالشكل الصحيح.
• في رصيدك العديد من الدواوين والقصائد الشعرية، ومع ذلك لا يوجد لديكِ قصائد مغناة إلا بضعة قليلة لا تجتاز أصابع اليد الواحدة؟
- في الحقيقة لم أسعَ كثيراً إلى الجانب الغنائي، ولكنني بدأت في السنوات الثلاث الأخيرة التوجّه نوعاً ما صوب القصيدة المغناة، فهناك قصيدة بعنوان «فصول الحياة» تغنت بها المطربة السورية فايا يونان، بالإضافة إلى 3 قصائد أخرى غنتها المطربة السعودية أروى، وأخيراً تعاونت مع المطربة اللبنانية جاهدة وهبة، وهناك أكثر من تعاون مع مجموعة من المطربين الشباب الذين يتخذون من القصيدة الفصيحة خطاً لهم.
• هل تتدخلين عادة في الأسلوب اللحني أو بطريقة الأداء مع الملحن والمطرب؟
- غالباً ما أطلق على أي تعاون فني بالصناعة المشتركة، خصوصاً أن للمطرب والملحن رؤى معينة في طريقة تعاطيهما مع القصيدة. وأتذكّر أنه في قصيدة «أكاد أفرُّ من نفسي إليّ ولكن ما الفرار وأنتِ فيَّ؟... وماذا في الفرار ولست أدري... أعشتُكَ ميتاً أم مت حيا» جاءتني المطربة السعودية أروى لتخبرني برغبتها في غناء هذه القصيدة ولكنها شعرت بأنها قصيدة نخبوية. لذا، طلبت مني تبسيطها، وبالفعل بدأنا الاشتغال على ذلك إلى حد إدخال بعض المفردات باللهجة العامية، لتقدمها أخيراً بإيقاع خليجي. وهذا الأمر قد يحدث أحياناً، وفقاً لتلاقي الرؤى بين الثالوث الفني، الشاعر والملحن والمطرب.
• مَنْ يُلهمك بالشعر؟
- كل شخص يُلهمني بالشعر حتى أنتم تشكّلون مصدر إلهام بالنسبة إليّ. عادة ما أطلق على الشعراء بأنهم «كناسو المشاعر»، فنحن في خضم الحياة نستلهم الشعر من كل شيء، من حكمة البسطاء، أو عناق الابن، أو براءة طفل، لتكون مادة لنصٍ شعري، وبالتالي فإن الحياة بكل تفاصيلها تعد مَسرحاً مُلهماً جداً للقصائد.
• إلى مَنْ تكتب الشاعرة عائشة السيفي؟
- أكتب لكل من يؤمن بأن الشعر وسيلة من وسائل الاستشفاء. في مراحل كثيرة مرّت بحياتي لم أجد سوى الشعر لكي أترجم من خلاله ما يختلج صدري من مشاعر، خصوصاً عندما كنتُ أعمل في هولندا وكانت ابنتي «حرية» في عُمان، حيث يأخذني الحنين إليها لأزورها عبر بحور القصائد لكبار الشعراء.
• في العصور القديمة كان الشعر يمثل وزارة إعلام في حد ذاتها، ولكن ما الذي يمثله الشعر والشعراء في عصرنا الحالي؟
- أرَى أن الشعر في مرحلة ما قد تراجع، ولكنه كأي شكلٍ من الأشكال الإبداعية فهو بحاجة إلى المزاوجة، فعلى الشعر أن يكون مثل فيروز، يخاطب الأمزجة في الصباح، ويتحدّث عن التفاصيل التي تلامس الناس ليصبح مادة أساسية نعيشها يومياً، وأتمنى من الشعراء أن ينزلوا من منابرهم النخبوية لكي يكتبوا مادة للشعر تشبه مادة الحياة.
• هل يفترض أن يكون الإلقاء الشعري بمستوى الأبيات، لبيان قوة القصيدة؟
- بكل تأكيد. على الإلقاء أن يسير بموازاة الأبيات. فهناك من الشعراء تتمنى لو أنك لا تستمع إليهم، بل تكتفي بقراءة قصائدهم على الورق فقط، والعكس صحيح.