لبنان وسوريا والمنطقة... في مرمى طموحات إسرائيل التوسعية


- بيسموت: سوريا جسرنا إلى الفرات وفي المستقبل سنصل إلى العراق وكردستان
أدت الحرب الأخيرة على قطاع غزة وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست بوعاز بيسموت، إلى تعميق المخاوف في شأن طموحات تل ابيب الجيو- سياسية طويلة الأمد.
وقد أعلن المسؤولان صراحةً نيتهما البقاء في غزة وتوسيع سيطرة إسرائيل الإستراتيجية على سوريا ولبنان، ما يعزز فكرة أن إسرائيل لا تكتفي بتأمين حدودها، بل تسعى بنشاط إلى تعزيز هيمنتها الإقليمية.
وفي بيان صدر أخيراً، وسّع نتنياهو نطاق الاستراتيجية العسكرية ليتجاوز سوريا، مدّعياً أن «سياستنا الهجومية لا تقتصر على سوريا بل تمتد أيضاً إلى لبنان».
وأعلن أن إسرائيل «لن تتخلى» عن خمسة مواقع استراتيجية تحتلّها في جنوب لبنان. وقال «نحتفظ بخمس نقاط على الجانب اللبناني من الحدود لحماية أراضينا»، موضحاً أن تل ابيب لا تنوي التخلي عن السيطرة على هذه المواقع.
ينتقل نتنياهو استراتيجياً من حربٍ إلى أخرى من دون حلّ الحرب في غزة التي لاتزال تُمَثِّلُ كارثةً إنسانية مستمرّة. وقد استخدمت حكومتُه الجبهةَ اللبنانية والصراع في سوريا لصرف الانتباه عن إخفاقاتها في 7 أكتوبر عندما شنّتْ «حماس» هجوماً واسع النطاق على جنوب إسرائيل، كاشفةً عن نقاطِ ضعفٍ استخباراتيةٍ وأمنية خطيرة.
وبإطالةِ أمدِ الصراعات الإقليمية والاستيلاء على المزيد من الأراضي، لا يتجنّب نتنياهو المساءلةَ عن سوء إدارة حكومته فحسب، بل يسعى أيضاً إلى ترسيخ إرثه كأعظم قائدٍ لإسرائيل - حتى أنه أعظم من ديفيد بن غوريون - من خلال توسيع نطاق إسرائيل الإقليمي. ويَعتمد بقاؤه السياسي على إيجاد واقع عسكري جديد يُلْقي فيه التوسع الإقليمي بظلاله على إخفاقات الماضي.
وبالمثل، في خطابٍ لفت انتباه العالم، أوضح بوعاز بيسموت صراحةً رغبةَ إسرائيل في ترسيخ هيمنةٍ كاملة على سوريا، مؤكداً تحولًا استراتيجياً طالما شكّك فيه العديد من المحللين.
وقد نُقل عن بزموت «يجب أن تكون سوريا تابعة لنا تماماً».
وبصفته رئيساً للجنة الأمن القومي في الكنيست، يُطلع بيسموت على المناقشات رفيعة المستوى والتقييمات الأمنية.
ولم تكن تصريحاته مجرد انفعال سياسي، بل كانت مؤشراً على أهداف استراتيجية بعيدة المدى نوقشت داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أعلى المستويات السياسية والعسكرية.
وتتوافق تصريحات بيسموت مع السياسة الأوسع التي تنتهجها حكومة نتنياهو. وتشير رؤيتُه للسيطرة الكاملة على سوريا والآن على لبنان بشكل متزايد، إلى أنه يَعكس تفكيرَ صانعي السياسات في أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية.
خطة إسرائيل الكبرى: خرافة أم حقيقة قابلة للتحقيق؟
لعلّ الجانب الأبرز في خطاب بيسموت هو إشارته المباشرة إلى طموحات إسرائيل الإقليمية بعيدة المدى: «سوريا جسرنا إلى الفرات، وفي المستقبل سنصل إلى العراق وكردستان».
ويتوافق هذا التصريح مع النظريات حول أهداف إسرائيل التوسعية القديمة، والتي غالباً ما يُشار إليها باسم «خطة إسرائيل الكبرى».
هذا المفهوم، المتجذّر في كل من الأيديولوجية الصهيونية والبراغماتية الجيو - سياسية، يتصوّر مجالَ نفوذٍ إسرائيلي يمتدّ من البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات، بما في ذلك أجزاء من سوريا والعراق وحتى الأردن.
وبينما يجادل النقّاد بأن «إسرائيل الكبرى» رؤية غير واقعية، فإن نهجَ إسرائيل التدريجي لإضعافِ الدول المجاورة وتوسيع نفوذها يوحي بأن صانعي السياسات يَعتبرونها مشروعاً طويل الأجَل.
وقد سعت الحكوماتُ المتعاقبة إلى ضمانِ ألا يتوسع النفوذ الأمني والجيو - سياسي لإسرائيل دفعة واحدة، بل تدريجاً على مدى عقود. وقد نقل القادة الإسرائيليون، من ديفيد بن غوريون إلى نتنياهو، هذه الأيديولوجية التوسعية إلى الأجيال المقبلة.
ولا تتمثل الفكرة بالضرورة في احتلال جميع هذه الأراضي عسكرياً، بل في إيجاد وضعٍ تتمتع فيه إسرائيل بسيطرةٍ فعلية على هذه المناطق، ما يضمن عدم ظهور أي مقاومة تُذكر.
ويتجلّى ذلك في دعم إسرائيل طويل الأمد للحُكم الذاتي الكردي، وضرباتها الجوية في سوريا والعراق، وجهودها الدؤوبة لإضعاف «حزب الله» في لبنان.
توسيع السيطرة الإسرائيلية في سوريا
المنطقة التي يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي في سوريا - محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة - أصبحت الآن أكبر من مساحة لبنان والضفة الغربية وغزة مجتمعةً.
وقد فرضت إسرائيل سياسةً تقضي بحرمان الجيش السوري من أي وجود عسكري في جنوب سوريا، ما حوّل المنطقة فعلياً إلى بقعة لا يمكن إلا للجهات الأمنية المعتمَدة من تل ابيب العمل فيها.
وتشمل هذه الحملة المستمرّة لنزْع السلاح مداهماتٍ منهجيةً للمنازل ومصادرة أسلحة فردية، ما يمنع أي مقاومة محلية أو إعادة تنظيم عسكري في الجنوب.
ويضمن هذا النهج لإسرائيل ليس فقط التفوق الجوي على سوريا، بل أيضاً السيطرة المباشرة على الأمن على الأرض في مناطق رئيسية.
إضافة إلى ذلك، وسّع نتنياهو نطاق السياسة الهجومية إلى ما وراء سوريا ولبنان، مؤكدًا أن إسرائيل هاجمت أخيراً مقراً للجهاد الإسلامي في دمشق.
«حزب الله» تحت الضغط
لطالما كان «حزب الله» عقبةً رئيسيةً أمام هيمنة إسرائيل الإقليمية، حيث احتفظ لسنواتٍ بترسانةٍ من الصواريخ الموجّهة بدقة والقادرة على الوصول إلى عمق الأراضي الإسرائيلية.
ومع ذلك، أضعفت العمليات الإسرائيلية الأخيرة في سوريا ولبنان، القدرات اللوجستية للحزب بشكل كبير.
ومع تعرُّضه لضربات استراتيجية متعددة، يبدو أن إسرائيل فسّرت هذه اللحظة كفرصةٍ لاتخاذ خطوة أخرى نحو تحقيق رؤية جيو - سياسية راسخة تتمحور حول توسيع النفوذ الإسرائيلي خارج حدودها الحالية.
ويعزز تصريح نتنياهو هذه الطموحات التوسعية بتأكيده أن إسرائيل لن تتخلى عن السيطرة على أراضٍ لبنانية استراتيجية.
والمواقع المعنية هي: اللبونة/علما الشعب (قضاء صور)، جبل بلاط (بالقرب من رامية، بنت جبيل)، جل الدير (جنوب عيترون، بنت جبيل)، موقع على طريق مركبا - حولا (مرجعيون) وتلة حمامص (قرب الخيام، مرجعيون).
كما ركّزت الجهودُ الدبلوماسية الأخيرة على حل النزاعات الإقليمية بين لبنان وإسرائيل، حيث توسّط جنرال أميركي في مفاوضات بين الجيش الإسرائيلي والقوات المسلّحة اللبنانية.
وأفادت التقارير بأن الممثل الأميركي نقل أن الطرفين اتفقا على بدء ترسيم الحدود البرية وبذْل جهود إضافية لتنفيذ بنود قرار الأمم المتحدة رقم 1701.
ولا توجد ضمانات بأن إسرائيل ستتخلى عن المواقع الاستراتيجية التي احتلتْها أو عزلتْها في الأشهر الأخيرة.
ووفق الخطة المقترَحة، ستشمل عملية ترسيم الحدود البرية 13 نقطة متنازَع عليها ترفض إسرائيل الاعتراف بها كأراضٍ لبنانية. وهناك 17 نقطة تعترف بها إسرائيل كأراضٍ لبنانية، لكنها تقع داخل الخط الأزرق. وكذلك المناطق المحتلة حديثاً، بما في ذلك نحو 500.000 متر مربع على طول الحدود الجنوبية، بالإضافة إلى 13 كيلومتراً مربعاً تم الاستيلاء عليها أخيراً في الضهيرة وكفركلا والعديسة.
التحولات الجيو- سياسية الآتية: شرق أوسط جديد؟
ومع ما يحدث في سوريا، وتَعَرُّض «حزب الله» لضغوط مستمرة، وغياب التعافي في غزة، يبدو أن إسرائيل تُرسِّخُ نفسَها كقوة مهيمنة في بلاد الشام.
وتؤكد تصريحات بيسموت ونتنياهو، إلى جانب التوسيع المستمر للحدود، حقيقةً لطالما تكهّن بها الكثيرون: رؤية إسرائيل بعيدة المدى تتجاوز الأمن... إنها تتعلق بالتوسع والهيمنة الإقليمية.
وستحدد الأشهر المقبلة إذا كانت التطورات في سوريا ولبنان ستشكّل مانعةً أمام المزيد من تحقيق تل ابيب أهدافها، أم أن الطموحات الإسرائيلية ستعيد تشكيل الخريطة الجيو - سياسية للمنطقة لسنوات عديدة مقبلة.
وإذا استمرّت الاتجاهاتُ الحالية، فإن الاستراتيجية الإسرائيلية للتوسع التدريجي من خلال القوة العسكرية والعمليات الاستخباراتية ستظل ركيزةً أساسية في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط في المستقبل المنظور.
ويبقى أن نرى إذا كان المجتمع الدولي سيواصل تَجاهُل الأمر، أم أن مقاومةً عالمية ستظهر لتحدي طموحات إسرائيل الإقليمية طويلة المدى.