في يوم السبت الماضي، رشّح الرئيسي الأميركي دونالد ترامب، عدداً من السفراء الجدد، من بينهم أميركيّان من أصول عربية، وهما عمّدة مدينة هامترامك في ولاية ميشيغان السيد عامر غالب – اليمني الأصل – سفيراً في الكويت، والمستشار المالي ورجل الأعمال البارز السيد ميشال عيسى – اللبناني الأصل – سفيراً في لبنان.
من المتوقّع أن يحصل كلاهما على موافقة مجلس الشيوخ على تعيينهما، لأن كليهما يمتلك خبرة ظافرة وسيرة متميزة تُعزّز فرص نجاحهما بمهامهما الدبلوماسية في الشرق الأوسط بمرحلة «ما بعد بشّار الأسد».
من أجل توضيح الصورة، سأكتفي بالإشارة إلى عدد من السمات البارزة في العمّدة غالب.
السيد غالب، رجل مثابر حقّق بجدارة أهدافا مرحلية عدّة. حيث عمل بعد الهجرة إلى أميركا، في مصنع لمدّة 10 ساعات يومياً، ليعيل عائلته في اليمن. وبالتزامن مع عمله درس وحصل على البكالوريوس في علم الأحياء من Wayne State University. ثم سعى للحصول على شهادة الطب البشري من Ross University School of Medicine، ولكن يبدو أن طموحاته السياسية أجّلت أو أوقفت هذا المسار. حيث انتخب عمدة لمدينة هامترامك بما يقارب ضعف أصوات منافسته.
السيد غالب، مبادر سياسي فطن. فبعد 24 سنة من هجرته إلى أميركا، لم يكتفِ بالنجاح في انتخابات عمدة مدينة هامترامك، بل نجح معه ثلاثة مرشحين مسلمين انتخبوا أعضاءً في مجلس المدينة ذاتها، لينضمّوا إلى ثلاثة أعضاء مسلمين مستمرّين، ويشكلوا أوّل مجلس مدينة في أميركا جميع أعضاءه مسلمين.
العمدة غالب، قائد جريء، فرغم كونه عمدة مدينة صغيرة، إلا أنه برز في الكثير من الأخبار على مستوى أميركا، وذلك وفق تقرير كتبه Kurt Streeter مراسل الصحيفة الأميركية المرموقة The New York Times.
يرى المراسل الصحافي أن أوّل ظهور إعلامي «على مستوى أميركا» للعمدة كان عند فوزه بانتخابات العمّدة، لكونه أوّل أميركي من أصول عربية وأوّل مسلم يحكم المدينة، بصفته عمدة المدينة ورئيس مجلسها، المجلس المتناغم معه.
وبعد مرور سنتين، خلق العمدة غالب، مرّة أخرى ضجّة إعلامية على مستوى أميركا عندما حظر – من خلال مجلس المدينة – رفع علم الشواذ على المرافق الحكومية.
وقبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عاد العمدة إلى الواجهة الإعلامية الأميركية بعد أن أعلن تأييده للسيد ترامب، الرئيس الذي حظر في ولايته الأولى دخول مهاجرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، كان من بينها اليمن، الدولة التي قدم منها العمدة.
وعاد العمدة مرّة أخرى إلى واجهة الإعلام الأميركي، عندما نجح في إضافة مدينته الصغيرة في خارطة الطريق الانتخابية للسيد ترامب، تحت عنوان دعم جهود العمدة في استقطاب الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان، وهي واحدة من الولايات السبع الكبرى المتأرجحة في الانتخابات الرئاسية.
حسب رأي مراقبين سياسيين، نتيجة الانتخابات الرئاسية في ولاية ميشيغان (موطن العديد من الأميركيين المسلمين) تشير إلى أن العمدة يمتلك – إلى حد ما – بُعد نظر سياسي وذكاء اجتماعي ومهارات إقناع. فالعمدة الذي كان ينتمي إلى «الحزب الديمقراطي» أعلن تأييده للمرشح «الجمهوري» السيد ترامب، والعمدة المنزعج من انحياز الرئيس بايدن لإسرائيل نجح في دعوة العرب والمسلمين إلى إعادة انتخاب ترامب، عبر تسليط الضوء على تصريحه الإيجابي بشأن وقف الحرب في غزة.
إلى جانب سماته الشخصية، السيد غالب، يمني الأصل. وهذا لوحده كاف لاختراق قلوب الكويتيين وكسب محبّتهم. فكيف الحال لو استحضرنا انجازات هذا اليمني الأصل، من قبيل إعادة تسمية شارع رئيسي في مدينته باسم فلسطين؟
لذلك ينبغي الحذر من مغبة الانجراف بمشاعر الإعجاب والمحبّة نحوه، والحديث معه في الدواوين بعفوية مُجرّدة من الدقّة في التعبير والوصف، بما قد يُزعزِع الموقف الوطني الرسمي تجاه الأحداث والقضايا المحلية والإقليمية... «اللهم أرنا الحق حقّا وارزقنا اتّباعه».