خامنئي يتحدّى... ويرفض التفاوض مع «دولة تمارس البلطجة»
إستراتيجية ايران لمواجهة ضغوط ترامب والالتفاف على دائرة العقوبات


- الأشهر المقبلة قد تشهد تعميق الخلافات الجيوسياسية القائمة ما يترك مجالاً ضئيلاً للاختراقات الدبلوماسية
في خطاب أكد تحدي إيران للضغوط الغربية، رفض المرشد الأعلى علي خامنئي إمكانية إجراء مفاوضات تحت الضغط مع «دولة تمارس البلطجة»، وأدانها باعتبارها أداة للإكراه وليس الدبلوماسية، وذلك غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أرسل خطاباً إلى طهران، سعياً إلى التوصل لاتفاق جديد في شأن برنامجها النووي الذي يتقدم سريعاً.
وأعلن خامنئي، أمام رؤساء السلطات الثلاث ومجموعة من المسؤولين، عدم ثقة إيران العميق في الجهود الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة، ووصفها بأنها آليات مصممة لفرض السيطرة الغربية بدلاً من حل النزاعات.
وقال: «بعض الحكومات المتسلطة... تصر على المفاوضات. لكن مفاوضاتها لا تدور حول حل القضايا؛ بل تدور حول الهيمنة».
وحدد ما يراه مطالب واشنطن غير المعقولة، والتي تشمل تقييد قدرات إيران الدفاعية، والحد من برنامجها الصاروخي، والحد من نفوذها الإقليمي.
هذه التصريحات تسلط الضوء على صراع جيوسياسي أوسع بين إيران والولايات المتحدة، خصوصاً في الشرق الأوسط، حيث لاتزال التوترات مرتفعة.
ومع توقف المفاوضات النووية، وتصاعد العقوبات الاقتصادية، والتهديدات العسكرية من إسرائيل والولايات المتحدة، يشير موقف خامنئي الحازم إلى أن طهران غير راغبة في الاستسلام للضغوط الغربية.
ومع تشديد الجانبين لمواقفهما، لاتزال إمكانية المواجهة المباشرة تلوح في الأفق، ما يثير المخاوف في شأن الاستقرار الإقليمي والعواقب الأوسع نطاقاً على الأمن العالمي.
يشير موقف خامنئي الحازم إلى استمرار المقاومة للمبادرات الدبلوماسية من الولايات المتحدة وحلفائها. ومع وصول المفاوضات النووية بالفعل إلى طريق مسدود، تشير تصريحاته إلى أن طهران لن تكون منفتحة على المزيد من القيود، خصوصاً على برنامجها الصاروخي ونفوذها الإقليمي.
إذ لاتزال احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة مرتفعة. وقد هددت إسرائيل والولايات المتحدة علناً بمهاجمة المنشآت العسكرية والنووية الإيرانية، وهي الخطوة التي حذرت طهران من أنها ستثير رد فعل من شأنه أن يؤدي إلى تسليح برنامجها النووي، وهو تطور من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات بشكل كبير وربما يؤدي إلى صراع إقليمي أوسع.
إستراتيجيات إيران الاقتصادية لتجاوز العقوبات
مع تزايد العقوبات الغربية، طورت إيران قنوات اقتصادية بديلة للحفاظ على صادراتها من النفط والغاز. وتستخدم تجاراً من جهات خارجية و«أساطيل أشباح» لإخفاء أصول شحناتها الخام تعمل في كثير من الأحيان على تعطيل أجهزة التتبع، ونقل النفط في البحر، واستخدام وثائق مزورة لإخفاء ارتباطاتها بإيران، ما يسمح لها بمواصلة بيع النفط من دون اكتشاف.
وعلاوة على ذلك، وسعت إيران تجارتها مع الدول المجاورة مثل العراق وتركيا وروسيا، متجاوزة القيود المالية التي تقودها الولايات المتحدة.
وقد قدمت هذه الدول طرق دفع بديلة، بما في ذلك اتفاقيات التجارة المقايضة، لضمان استمرار إيران في تلقي السلع والخدمات الأساسية من دون الاعتماد على الأنظمة المصرفية التي يسيطر عليها الغرب.
كما لجأت بشكل متزايد إلى العملات المشفرة كحل مالي، ما يسهل المعاملات الدولية التي تتجاوز المؤسسات المالية التقليدية الخاضعة للتدقيق الأميركي.
إضافة إلى الأزمة، رفضت الولايات المتحدة أخيراً تجديد الإعفاء الذي يسمح للعراق بشراء الغاز الطبيعي من إيران. ويضع هذا القرار بغداد في موقف داخلي حرج، خصوصاً مع اشتداد حرارة الصيف، ما يؤدي إلى نقص حاد في الطاقة وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في العراق، ما يزيد من إجهاد العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق والاستقرار الإقليمي.
في ظل إدارة الرئيس السابق جو بايدن، كان تطبيق العقوبات على صادرات النفط الإيرانية متساهلاً نسبياً، ما سمح لإيران بتصدير ما يصل إلى 1.6 مليون برميل يومياً، في المقام الأول إلى الصين.
ومع ذلك، مع إعادة إدارة ترامب فرض حملة «الضغط الأقصى»، يتم تنفيذ تدابير أكثر صرامة للحد من صادرات النفط الإيرانية. وتشمل هذه التدابير خططاً لاعتراض وتفتيش ناقلات النفط الإيرانية في البحر، بهدف خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
وتعمقت الشراكات الإستراتيجية لإيران مع روسيا والصين في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالمعارضة المشتركة للهيمنة الأميركية.
وقد عزز الاتفاق الإستراتيجي لمدة 25 عاماً مع الصين مرونة طهران الاقتصادية، ما وفر استثمارات ضرورية للغاية في قطاعات رئيسية مثل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وفي المقابل، تستفيد الصين من إمدادات مستقرة من النفط الإيراني بأسعار مخفضة، ما يزيد من دمج إيران في «مبادرة الحزام والطريق».
وعلاوة على ذلك، أعادت حرب روسيا في أوكرانيا تشكيل ديناميكيات الطاقة العالمية، ما قدم فرصاً جديدة لإيران.
ومع فرض الدول الغربية عقوبات على صادرات الطاقة الروسية، سعت موسكو إلى التعاون الوثيق مع طهران للتعامل المشترك مع العقوبات وتوسيع التعاون في مجال الطاقة.
وزادت إيران مبيعات الأسلحة إلى روسيا، وزودتها بطائرات من دون طيار وتكنولوجيا الصواريخ، ما عزز العلاقات العسكرية بينهما.
في المقابل، دعمت روسيا مساعي إيران لتعزيز مكانتها في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وخلق فرص تجارية جديدة والحد من الاعتماد على الأسواق الغربية.
وقد اعتبر مسؤولون غربيون والإسرائيليون أخيراً أن إيران أصبحت ضعيفة في أعقاب الضربات الشديدة التي تعرض لها «حزب الله» في لبنان.
والتصور هو أن الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد الحزب قللت من قدرة إيران على فرض قوتها من خلال حليفها الإقليمي الأكثر أهمية. ومع ذلك، استمرت إيران في إظهار قدرتها العسكرية على الصمود.
إذا تصاعدت التوترات بين إيران والولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية مباشرة، فإن العواقب ستكون بعيدة المدى. وقد تؤدي الأعمال العدائية المتزايدة إلى تعطيل أسواق النفط العالمية، نظراً لموقع إيران الإستراتيجي على طول مضيق هرمز - وهو ممر حيوي لشحنات الطاقة العالمية، بما في ذلك ممر البحر الأحمر تحت سيطرة «أنصارالله» في اليمن.
إن الصراع قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي. كما أن التأثير على الدبلوماسية الدولية سيكون كبيراً، حيث قد تنجر الصين وروسيا، اللتان تربطهما علاقات وثيقة بإيران، إلى الأزمة، ما يؤدي إلى تكثيف الانقسامات الجيوسياسية.
الوحدة الداخلية وتحديات الحكم
كما أكد خامنئي أهمية التماسك الداخلي داخل المؤسسات الحاكمة في إيران، وحث على مزيد من التعاون بين فروع الحكومة والقوات المسلحة.
وشدد على أن «التماسك هو الشرط الأول للتقدم»، مشيراً إلى أن الوحدة الداخلية أمر بالغ الأهمية في التعامل مع الضغوط الخارجية.
ومع ذلك، فإن انتقاده للتردد البيروقراطي والتقاعس يشير إلى عدم الكفاءة الكامنة في الحكم في إيران. وحذر من أن تجنب اتخاذ القرار خوفاً من الانتقادات هو «أحد أكثر العقليات خطورة»، ما يعني أن قيادة إيران يجب أن تتبنى نهجاً أكثر استباقية في معالجة التحديات الوطنية.
وبعيداً عن قيادة إيران، كان الإحباط العام ينمو بسبب الصعوبات الاقتصادية، والتي تفاقمت بسبب العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة.
لاتزال التضخم والبطالة وانخفاض قيمة العملة قضايا مستمرة. وفي حين تشير دعوة السيد خامنئي إلى الوحدة والوعي بهذه التحديات، فإن قدرة الحكومة على معالجتها بشكل فعالٍ مع التعامل مع الضغوط الخارجية تظل غير واضحة.
إن تصريحات المرشد الأعلى تشير إلى أن إيران من غير المرجح أن تقدم تنازلات تحت الضغط الدولي، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجهها في مجال تطوير الأسلحة النووية، والقدرات الصاروخية، ونفوذها في الصراعات في الشرق الأوسط.
كما تشير دعوة المرشد إلى الوحدة بين المؤسسات الإيرانية إلى احتمال حدوث توترات داخلية، ولاسيما مع مواجهة البلاد للصراعات الاقتصادية والسخط العام المتزايد.
ويشير تحذيره من التردد إلى الإحباط من عدم كفاءة الحكومة، والتي قد تكون محاولة لدفع المسؤولين نحو موقف سياسي أكثر عدوانية على الصعيدين المحلي والدولي.
ومع استمرار إيران في مقاومة المطالب الغربية مع التأكيد على الوحدة الداخلية، فقد تشهد الأشهر المقبلة تعميق الخلافات الجيوسياسية القائمة، ما يترك مجالاً ضئيلاً للاختراقات الدبلوماسية.